الصمـد
قال تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ }الإخلاص2، فهذا الاسم من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني، وهو يشير إلى سمة الصمدية، وهي تعنى أنه سبحانه المطلق الذي يستـند إليه كل مطلق ومقيد لا المطلق الذي يقابل المقيَّد، ولذا تستند الأحدية إلى الصمدية، ذلك لأن الأحدية هي مرتبة انفراده بالوجود المطلق أي تجلِّيه بذاته لذاته، أمَّا الصمدية فلها الإحاطة بكل التجليات وبكل ظهور وبطون، فإليها يستند كل معنىً ومبنىً وكل مطلق ومقيـد وكل كثيف ولطيف وكل ظاهر وباطن، فالأحدية من مقتضيات الصمدية، والصمدية تعنى أن الذات من حيث الكنه لا تفاوت فيها ولا تركيب بحال من الأحوال، فليس ثمة جزء لطيف وجزء كثيف، وإنما الذات كيان واحد متجانس متماثل ولذا يستند إليها كل شيء، ولا يعنى ذلك أنها مادة الأشياء بل إن لها الإحاطة بهذه الأشياء من كل حيثية وبكل كيفية، فمنها الإيجاد والإبداع والإمداد، فالصمدية تعنى تماثل الحق من حيث الكنه، وهذا التماثل يقـتضى عدم التغير ليس بمعنى الجمود أو السكون المطلق بل بمعني بقائه علي ما هو عليه من الحسن أو الكمال الواجب المطلق، وهذا يقتضى الإيجاد والفعل والتأثير وممارسة كل الإمكانات والقدرات والتجليات مع الإحاطة بالزمان وبالمكان، فهو يفعل دائما ما يليق بكماله المطلق، فلأن له التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق فإن له البقاء المطلق والجمال المطلق والكمال المطلق والجلال المطلق والحسن المطلق، فالجمال يشير إلى التناسق والتماثل والانسجام، وهو يقتضي تحقق ذلك في المظاهر والتجليات، والجلال من مقتضيات لاتـناهى هذه المعاني وطلاقتها وهو ما يؤدي إلي الغموض والإبهام ويوجب الوجل والرهبة، والكمال هو عين التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق، فلو فُرِض أن كائناً ما دنا من بحر الذات الذي لا يتناهى؛ وهذا مستحيل أصلاً؛ لأرهبه التماثل المطلق ولجذبه الجمال ولسحقه الجلال فلم يبق له رسما ولا أثرا، ومن أبرز تجليات التماثل المطلق اسمه (الأول والآخر والظاهر والباطن)، لذلك فإن له سبحانه البقاء المطلق الذي إليه تستند كافة قوانين البقاء المعلومة، كذلك يستند إلى التماثل المطلق كل تماثل موجود في الكون ولذا فإنه على المستوى الكوني لابد من أن يؤدى كل تماثل إلى قانون بقاء.
ومن لوازم أحديته وصمديته أنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لذلك فلا يجوز أبداً القول بأنه قادر علي أن يجعل لنفسه ولدا أو كفوا وإلا لزم عجزه، ذلك لأن مجال القدرة هو الأشياء لا ذاته، والشيء هو ما اقتضته المشيئة التي هي جماع مقتضيات أسمائه وسماته أي جماع مقتضيات القوانين والسنن الإلهية وما ترتب عليها من قوانين وسنن كونية، لذلك فإنه سبحانه لا يمكن أن يناقض نفسه ولا أن يفعل عكس ما يقتضيه كنهه، فالقدرة هي التمكن والاستطاعة ومجالها الأشياء، والإرادة هي سمة فعل مجالها ما اقتضته المشيئة فإذا ما تعلقت بأمر أصبح مهيأً للوجود بصدور القول، والإرادة أيضا تعبر عن المقاصد الإلهية أي هي تفصيل للحكمة الإلهية.
فالصمدية تشير إلى أن له الكنه الأسمى الذي يعلو فوق كل إدراك وتصور، فهو فوق كل فتق ورتق وتـفاوت وتنوع وتغير، أما كل ما هو دونه من كائنات فليست إلا لفائف وطبقات متفاوتة من اللطائف والكثائف لا تحوى من حيث ذاتها شيئا، أما هو سبحانه فذاته صمدية لها التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق، فلا يمكن أن يضاف إليها شيء ولا أن ينفصل عنها شيء، وهي لا تحوي فراغاً من أي نوعٍ كان، وهو سبحانه يُطعِم ولا يُطعَم وهو لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فلا يمكن أن يتميـَّز شيء منه فينمو مستقلا عنه، ولا يمكن أن يكون هو قد تولد من وجود سابق، وكماله الواجب المطلق ينفى بذاته أن يكون له كفؤ أو نظير، ويقتضى كل ذلك ألا يكون هو مادة الأشياء بل هو مبدع المادة، ولما كان إلى صمديته تلك تستند المعاني والمباني واللطائف والكثائف كان هو السيد المطاع الذي ينفذ في كل شيء أمره الذي هو جماع قوانينه وسننه، فلا يملك كائن إلا الخضوع والإذعان للقوانين والسنن، وحتى من وُهِب الاختيار فإن ممارسة هذا الاختيار هي من مقتضيات الخضوع للقوانين والسنن، وتقـتضى الصمدية أن يفتقر إليه الكل افتقاراً ذاتياً، وأن يكون هو الغنى عنهم أجمعين.
فالصمدية إشارة إلى كنه الذات، فذاته أمر مطلق متجانس لا تفاوت فيه ولا اختلاف ولا ارتفاع ولا انخفاض ولا تمحور ولا تمركز ولا تركيب ولا كثافة؛ بل بساطة مطلقة ولطف مطلق لا يتغير عمَّا هو عليه، ولكنه في بساطته تلك له كل الكمال المطلق والوجود المطلق، فهو غير قابل للتجزؤ أو للتبعُّـض أو للانقسام، وهو فوق المدارك والأفهام، وكل التصورات التي استخلصها الإنسان من عالمه المشهود هذا لا ترقى أبدا إلي وصفه، وكل ما لديه من المفاهيم والكلمات والتصورات لا يصلح للتعبير عن كنهه، فمن كان كذلك لا يمكن أن يتولد منه شيء أو يتولد هو من شيء، فالصمدية تشير إلى كل ما يعنيه الوجود والماهية والهوية وكل سمات الكمال الواجب الذاتية، أما الأحدية فتشير إلى التجلِّي الذي ظهر فيه لنفسه بكل ما هو له من كمال مطلق هو عين الوجود الواجب وهذه المرتبة لا تحتمل منافسة أو مزاحمة.
والصمديــة هي نفى التركب والتجزؤ في ذاته، لذلك لم يلد ولم يولد، فلا يمكن لشيء أن ينفصل عنه أو أن يتصل به من حيث الكنه الذاتي، فهو سبحانه ليس كلا مكونا من أجزاء ولا كليا مركبا من جزئيات، وبصمديته يستند إليه كل شيء ولا يستند هو إلى شيء، فإليه تستند المعاني والمباني واللطائف والكثائف، فهو بذلك المرجع الأعلي لكل شيء والسند المنطقي لكل السلاسل والحلقات والكيانات.
والرمز (صمد) إشارة إلي الكيان الذاتي الأعظم الذي لا يمكن أن يتجزأ أو يتبعض أو يتخلله شيء أو يضاف إليه شيء أو ينفصل عنه شيء أو يحل في شيء أو يتحد بشيء والذي هو أصل كل كيان خلقي أو أمري وهو الذي اقتضى كل المكونات والكيانات كما اقتضى الإطارات اللازمة لكل ما يقتضيه من المجالات والكائنات والمخلوقات والتي هي من لوازم أسمائه ولا وجود لها ولا قيام إلا به.
والصمدية أقرب إلى الماهية الذاتية من الأحدية، فالآية {اللهُ الصَمدُ} هي ذروة سورة الإخلاص ولبها، ولذا ترتفع النغمة فيها وتعلو بالتعريف كما هو واضح، فالصمدية تشير إلى الكنه الذاتي للإله الأقدس، وهى تعنى أنه المطلق الذى يستـند إليه كل مطلق ومقيد لا المطلق الذي يقابل المقيَّد، ولذا تستند الأحدية إلى الصمدية، ذلك لأن الأحدية هى مرتبة انفراده بالوجود المطلق أي تجلِّيه بذاته لذاته، أمَّا الصمدية فلها الإحاطة بكل التجليات وبكل ظهور وبطون، فإليها يستند كل معنىً ومبنىً وكل مطلق ومقيـد وكل كثيف ولطيف وكل ظاهر وباطن، فالأحدية من مقتضيات الصمدية، والصمدية تعنى أن الذات من حيث الكنه لا تفاوت فيها ولا تركيب بحال من الأحوال، فليس ثمة جزء لطيف وجزء كثيف، وإنما الذات أمر واحد متجانس متماثل ولذا يستند إليها كل شيء، ولا يعنى ذلك أنها مادة الأشياء بل لها الإحاطة بهذه الأشياء من كل حيثية وبكل كيفية، فمنها الإيجاد والإبداع والإمداد، فالصمدية تعنى تماثل الحق من حيث الكنه، وهذا التماثل يقـتضى عدم التغير ليس بمعنى الجمود أو السكون المطلق بل بمعني بقائه علي ما هو عليه من الكمال الواجب المطلق، وهذا يقتضى الإيجاد والفعل والتأثير وممارسة كل الإمكانات والقدرات والتجليات مع الإحاطة بالزمان وبالمكان، فهو يفعل دائما ما يليق بكماله المطلق، فلأن له التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق فإن له البقاء المطلق والجمال المطلق والكمال المطلق والجلال المطلق، فالجمال يستند إلى التناسق والتماثل والانسجام، وهو يقتضي تحقق ذلك في المظاهر والتجليات، والجلال من مقتضيات لاتـناهى هذه المعاني وطلاقتها وهو ما يؤدي إلي الغموض والإبهام ويوجب الوجل والرهبة، والكمال هو عين التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق، فلو فُرِض أن كائنا ما اقترب من بحر الذات الذي لا يتـناهي لأرهبه التماثل المطلق ولجذبه الجمال ولسحقه الجلال فلم يبق له رسما ولا أثرا، ومن أبرز تجليات التماثل المطلق اسمه (الأول والآخر والظاهر والباطن) ولذا فإن له البقاء المطلق الذى إليه تستند كافة قوانين البقاء المعلومة، كذلك يستند إلى التماثل المطلق كل تماثل موجود فى الكون ولذا فإنه على المستوى الكونى لابد من أن يؤدى كل تماثل إلى قانون بقاء.
فالصمدية هى الوجود المطلق والصفاء المطلق واللطف المطلق والبساطة المطلقة، فهى تشير إلى أنه ليس ثمَّة تركيب أو كثافة أو تفاوت أو اختلاف فى ذاته، بينما تشير الأحدية إلى أن له ذاتاً حقيقية، فليس صحيحاً ما زعمه بعض المبطلين من أنه فكرة مجردة أو معنىً مجرد، فالأحدية هى تجليه بذاته الجامعة لكل الكمال المطلق غير المفصل، فليس ثمة تمايز هنالك، والمؤمن ليس مطالباً بكل هذا البيان السابق، ذلك لأن كنه ذات الحق أعلى من كل ذلك، ولن يحيط به تصور أو إدراك ولن يخطر أبداً ببال مخلوق هالك، وإنما يطالب المؤمن بالإيمان بمقتضيات الأحدية والصمدية، وهى أنه سبحانه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وله الحمد بذلك وعلى ذلك، فلا وجود لآلهة معه ولا لأنصاف آلهة ولا لأبناء آلهة ولا لعائلات مقدسة، ولقد رأى الكل وعاينوا على مدى التاريخ كيف أدت المعتقدات الباطلة المبنية على زعم وجود آلهة معه أو متصرفين فى الكون فى الكون معه إلي التعاسة للجنس البشرى وإلى الحروب الطاحنة التى لا تنقطع وإلى الدمار والهلاك والبوار، وهكذا فلا نجاة للبشر من شر الشياطين والبشر إلا بالتسليم بأحديته تعالى وصمديته.
وسورة الإخلاص أو الصمدية تتحدث عن مراتب ذاتية لله تعالى، فهى تبين أن هويته الباطنة هى عين تجليه باسمه الأعظم الظاهر الذى اقتضى كل ما هو دونه من العوالم والأكوان، فكل ما ظهر إنما يبين للناس شيئا عنها، ولا يمكن له الوجود إلا بأن يستند إليها، أما تفسير الصمدية بأنها سمة السيد الذي يفتـقر إليه الكل فإن هذه السمة هي من مقتضيات الصمدية وليست هي عين الصمدية، ويشير إلى ذلك اسمه (الغني الحميد)، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(15)} (فاطر)، فالاسم (الغني الحميد) هو الذى يفتـقر إليه الكل بينما يستند هو إلى الصمدية، ومن المعلوم أن من فسروا الصمدية التفسير المعلوم إنما فعلوا ذلك بقياس من له الغيب المطلق على الإنسان المشهود المقيد، وكان عليهم أن ينزهوا خالقهم عن تصوراتهم وعما يصفون.
فصمديته سبحانه هي التي يستند إليها تجانس هذا العالم (Homogeneity ) وتوحد خواصه (Isotropy)، وبالتالي فإليها تستـند قوانين العالم المادي ومنها قوانين البقاء المعلومة، فثبات القوانين يستند إلى بقائه سبحانه على ما هو عليه، وتغير الظواهر التى تحكمها القوانين يشير إلى تنوع تجلياته بما هو له، وكذلك يشير إلي تغير مجالات تلك التجليات ومتعلقاتها من المقتضيات والمخلوقات، فالعالم الذى يبحث عن قوانين هذا العالم المادي يعلم أنه يبحث عن قوانين ثابتة لا تبديل لها ولا تحويل فلا سبيل إلى تغيرها، وهو علي ثقة من أنه سيجدها سارية وسيجد مفعولها نافذاً في أقصي أرجاء الكون، فهذا العالم يؤمن ويسلم وإن لم يشعر بصمدية الله تعالى، أما من لا يقيم لتلك القوانين وزنا ولا يرفع لها رأسا، ولا يرتجف إجلالا لروعتها رغم أنه يحيى فى ظلها وينعم بكل ما يستند إليها فهو كالأنعام بل هو أضل سبيلا، فإذا ما تجاوز ذلك إلى السخرية بمن يفعل ذلك وناصر الجهل والفوضى والتحلل فإنما هو شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى المهانة والذل فى الدنيا وإلى عذاب السعير فى الآخرة.
إن العلماء الماديين الحقيقيـين يؤمنون بالله تعالى وبسماته وإن لم يعلموا، ذلك لأنهم رأوا وعاينوا الآيات في الكون، وعرفوا أن القوانين ثابتة مطردة لا تتغير، وأن الأمور تسير بحكمة بالغة، وأن ثمة توازن تام في كل شيء؛ وأن كل شيء موجود بميزان وبقدر معلوم، وأن ثمة تدبير محكم وصنع متقن، وأن الكون كله وحدة واحدة تسيِّره منظومة قوانين واحدة، وهم في سعيهم الدءوب إنما يريدون الوصول إلى نظرية واحدة تـفسر كل شيء، فكل ما يصفون به الطبيعة من صفات إنما تستـند إلى أسماء الله تعالى، ولكن لِمَ لا يؤمنون؟ إنهم لا يريدون الإيمان بسبب التصورات الصبيانية المفروضة عليهم عن الإله والتي تلقـنوها في طفولتهم وفرضتها عليهم بيئـتهم ومعطيات ثقافتهم والمذاهب الضالة، فهم ما كفروا إلا بآلهة باطلة وأسماء فرضت عليهم ما أنزل الله بها من سلطان، فما كفروا إلا بتحريفات البشر وضلالاتهم ومزاعمهم وتصوراتهم الضالة .
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13- نظرات عامة جديدة، 2007.
14- نظرات في التاريخ، 2008.
قال تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ }الإخلاص2، فهذا الاسم من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني، وهو يشير إلى سمة الصمدية، وهي تعنى أنه سبحانه المطلق الذي يستـند إليه كل مطلق ومقيد لا المطلق الذي يقابل المقيَّد، ولذا تستند الأحدية إلى الصمدية، ذلك لأن الأحدية هي مرتبة انفراده بالوجود المطلق أي تجلِّيه بذاته لذاته، أمَّا الصمدية فلها الإحاطة بكل التجليات وبكل ظهور وبطون، فإليها يستند كل معنىً ومبنىً وكل مطلق ومقيـد وكل كثيف ولطيف وكل ظاهر وباطن، فالأحدية من مقتضيات الصمدية، والصمدية تعنى أن الذات من حيث الكنه لا تفاوت فيها ولا تركيب بحال من الأحوال، فليس ثمة جزء لطيف وجزء كثيف، وإنما الذات كيان واحد متجانس متماثل ولذا يستند إليها كل شيء، ولا يعنى ذلك أنها مادة الأشياء بل إن لها الإحاطة بهذه الأشياء من كل حيثية وبكل كيفية، فمنها الإيجاد والإبداع والإمداد، فالصمدية تعنى تماثل الحق من حيث الكنه، وهذا التماثل يقـتضى عدم التغير ليس بمعنى الجمود أو السكون المطلق بل بمعني بقائه علي ما هو عليه من الحسن أو الكمال الواجب المطلق، وهذا يقتضى الإيجاد والفعل والتأثير وممارسة كل الإمكانات والقدرات والتجليات مع الإحاطة بالزمان وبالمكان، فهو يفعل دائما ما يليق بكماله المطلق، فلأن له التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق فإن له البقاء المطلق والجمال المطلق والكمال المطلق والجلال المطلق والحسن المطلق، فالجمال يشير إلى التناسق والتماثل والانسجام، وهو يقتضي تحقق ذلك في المظاهر والتجليات، والجلال من مقتضيات لاتـناهى هذه المعاني وطلاقتها وهو ما يؤدي إلي الغموض والإبهام ويوجب الوجل والرهبة، والكمال هو عين التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق، فلو فُرِض أن كائناً ما دنا من بحر الذات الذي لا يتناهى؛ وهذا مستحيل أصلاً؛ لأرهبه التماثل المطلق ولجذبه الجمال ولسحقه الجلال فلم يبق له رسما ولا أثرا، ومن أبرز تجليات التماثل المطلق اسمه (الأول والآخر والظاهر والباطن)، لذلك فإن له سبحانه البقاء المطلق الذي إليه تستند كافة قوانين البقاء المعلومة، كذلك يستند إلى التماثل المطلق كل تماثل موجود في الكون ولذا فإنه على المستوى الكوني لابد من أن يؤدى كل تماثل إلى قانون بقاء.
ومن لوازم أحديته وصمديته أنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لذلك فلا يجوز أبداً القول بأنه قادر علي أن يجعل لنفسه ولدا أو كفوا وإلا لزم عجزه، ذلك لأن مجال القدرة هو الأشياء لا ذاته، والشيء هو ما اقتضته المشيئة التي هي جماع مقتضيات أسمائه وسماته أي جماع مقتضيات القوانين والسنن الإلهية وما ترتب عليها من قوانين وسنن كونية، لذلك فإنه سبحانه لا يمكن أن يناقض نفسه ولا أن يفعل عكس ما يقتضيه كنهه، فالقدرة هي التمكن والاستطاعة ومجالها الأشياء، والإرادة هي سمة فعل مجالها ما اقتضته المشيئة فإذا ما تعلقت بأمر أصبح مهيأً للوجود بصدور القول، والإرادة أيضا تعبر عن المقاصد الإلهية أي هي تفصيل للحكمة الإلهية.
فالصمدية تشير إلى أن له الكنه الأسمى الذي يعلو فوق كل إدراك وتصور، فهو فوق كل فتق ورتق وتـفاوت وتنوع وتغير، أما كل ما هو دونه من كائنات فليست إلا لفائف وطبقات متفاوتة من اللطائف والكثائف لا تحوى من حيث ذاتها شيئا، أما هو سبحانه فذاته صمدية لها التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق، فلا يمكن أن يضاف إليها شيء ولا أن ينفصل عنها شيء، وهي لا تحوي فراغاً من أي نوعٍ كان، وهو سبحانه يُطعِم ولا يُطعَم وهو لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فلا يمكن أن يتميـَّز شيء منه فينمو مستقلا عنه، ولا يمكن أن يكون هو قد تولد من وجود سابق، وكماله الواجب المطلق ينفى بذاته أن يكون له كفؤ أو نظير، ويقتضى كل ذلك ألا يكون هو مادة الأشياء بل هو مبدع المادة، ولما كان إلى صمديته تلك تستند المعاني والمباني واللطائف والكثائف كان هو السيد المطاع الذي ينفذ في كل شيء أمره الذي هو جماع قوانينه وسننه، فلا يملك كائن إلا الخضوع والإذعان للقوانين والسنن، وحتى من وُهِب الاختيار فإن ممارسة هذا الاختيار هي من مقتضيات الخضوع للقوانين والسنن، وتقـتضى الصمدية أن يفتقر إليه الكل افتقاراً ذاتياً، وأن يكون هو الغنى عنهم أجمعين.
فالصمدية إشارة إلى كنه الذات، فذاته أمر مطلق متجانس لا تفاوت فيه ولا اختلاف ولا ارتفاع ولا انخفاض ولا تمحور ولا تمركز ولا تركيب ولا كثافة؛ بل بساطة مطلقة ولطف مطلق لا يتغير عمَّا هو عليه، ولكنه في بساطته تلك له كل الكمال المطلق والوجود المطلق، فهو غير قابل للتجزؤ أو للتبعُّـض أو للانقسام، وهو فوق المدارك والأفهام، وكل التصورات التي استخلصها الإنسان من عالمه المشهود هذا لا ترقى أبدا إلي وصفه، وكل ما لديه من المفاهيم والكلمات والتصورات لا يصلح للتعبير عن كنهه، فمن كان كذلك لا يمكن أن يتولد منه شيء أو يتولد هو من شيء، فالصمدية تشير إلى كل ما يعنيه الوجود والماهية والهوية وكل سمات الكمال الواجب الذاتية، أما الأحدية فتشير إلى التجلِّي الذي ظهر فيه لنفسه بكل ما هو له من كمال مطلق هو عين الوجود الواجب وهذه المرتبة لا تحتمل منافسة أو مزاحمة.
والصمديــة هي نفى التركب والتجزؤ في ذاته، لذلك لم يلد ولم يولد، فلا يمكن لشيء أن ينفصل عنه أو أن يتصل به من حيث الكنه الذاتي، فهو سبحانه ليس كلا مكونا من أجزاء ولا كليا مركبا من جزئيات، وبصمديته يستند إليه كل شيء ولا يستند هو إلى شيء، فإليه تستند المعاني والمباني واللطائف والكثائف، فهو بذلك المرجع الأعلي لكل شيء والسند المنطقي لكل السلاسل والحلقات والكيانات.
والرمز (صمد) إشارة إلي الكيان الذاتي الأعظم الذي لا يمكن أن يتجزأ أو يتبعض أو يتخلله شيء أو يضاف إليه شيء أو ينفصل عنه شيء أو يحل في شيء أو يتحد بشيء والذي هو أصل كل كيان خلقي أو أمري وهو الذي اقتضى كل المكونات والكيانات كما اقتضى الإطارات اللازمة لكل ما يقتضيه من المجالات والكائنات والمخلوقات والتي هي من لوازم أسمائه ولا وجود لها ولا قيام إلا به.
والصمدية أقرب إلى الماهية الذاتية من الأحدية، فالآية {اللهُ الصَمدُ} هي ذروة سورة الإخلاص ولبها، ولذا ترتفع النغمة فيها وتعلو بالتعريف كما هو واضح، فالصمدية تشير إلى الكنه الذاتي للإله الأقدس، وهى تعنى أنه المطلق الذى يستـند إليه كل مطلق ومقيد لا المطلق الذي يقابل المقيَّد، ولذا تستند الأحدية إلى الصمدية، ذلك لأن الأحدية هى مرتبة انفراده بالوجود المطلق أي تجلِّيه بذاته لذاته، أمَّا الصمدية فلها الإحاطة بكل التجليات وبكل ظهور وبطون، فإليها يستند كل معنىً ومبنىً وكل مطلق ومقيـد وكل كثيف ولطيف وكل ظاهر وباطن، فالأحدية من مقتضيات الصمدية، والصمدية تعنى أن الذات من حيث الكنه لا تفاوت فيها ولا تركيب بحال من الأحوال، فليس ثمة جزء لطيف وجزء كثيف، وإنما الذات أمر واحد متجانس متماثل ولذا يستند إليها كل شيء، ولا يعنى ذلك أنها مادة الأشياء بل لها الإحاطة بهذه الأشياء من كل حيثية وبكل كيفية، فمنها الإيجاد والإبداع والإمداد، فالصمدية تعنى تماثل الحق من حيث الكنه، وهذا التماثل يقـتضى عدم التغير ليس بمعنى الجمود أو السكون المطلق بل بمعني بقائه علي ما هو عليه من الكمال الواجب المطلق، وهذا يقتضى الإيجاد والفعل والتأثير وممارسة كل الإمكانات والقدرات والتجليات مع الإحاطة بالزمان وبالمكان، فهو يفعل دائما ما يليق بكماله المطلق، فلأن له التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق فإن له البقاء المطلق والجمال المطلق والكمال المطلق والجلال المطلق، فالجمال يستند إلى التناسق والتماثل والانسجام، وهو يقتضي تحقق ذلك في المظاهر والتجليات، والجلال من مقتضيات لاتـناهى هذه المعاني وطلاقتها وهو ما يؤدي إلي الغموض والإبهام ويوجب الوجل والرهبة، والكمال هو عين التماثل المطلق والتجانس المطلق والانسجام المطلق، فلو فُرِض أن كائنا ما اقترب من بحر الذات الذي لا يتـناهي لأرهبه التماثل المطلق ولجذبه الجمال ولسحقه الجلال فلم يبق له رسما ولا أثرا، ومن أبرز تجليات التماثل المطلق اسمه (الأول والآخر والظاهر والباطن) ولذا فإن له البقاء المطلق الذى إليه تستند كافة قوانين البقاء المعلومة، كذلك يستند إلى التماثل المطلق كل تماثل موجود فى الكون ولذا فإنه على المستوى الكونى لابد من أن يؤدى كل تماثل إلى قانون بقاء.
فالصمدية هى الوجود المطلق والصفاء المطلق واللطف المطلق والبساطة المطلقة، فهى تشير إلى أنه ليس ثمَّة تركيب أو كثافة أو تفاوت أو اختلاف فى ذاته، بينما تشير الأحدية إلى أن له ذاتاً حقيقية، فليس صحيحاً ما زعمه بعض المبطلين من أنه فكرة مجردة أو معنىً مجرد، فالأحدية هى تجليه بذاته الجامعة لكل الكمال المطلق غير المفصل، فليس ثمة تمايز هنالك، والمؤمن ليس مطالباً بكل هذا البيان السابق، ذلك لأن كنه ذات الحق أعلى من كل ذلك، ولن يحيط به تصور أو إدراك ولن يخطر أبداً ببال مخلوق هالك، وإنما يطالب المؤمن بالإيمان بمقتضيات الأحدية والصمدية، وهى أنه سبحانه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وله الحمد بذلك وعلى ذلك، فلا وجود لآلهة معه ولا لأنصاف آلهة ولا لأبناء آلهة ولا لعائلات مقدسة، ولقد رأى الكل وعاينوا على مدى التاريخ كيف أدت المعتقدات الباطلة المبنية على زعم وجود آلهة معه أو متصرفين فى الكون فى الكون معه إلي التعاسة للجنس البشرى وإلى الحروب الطاحنة التى لا تنقطع وإلى الدمار والهلاك والبوار، وهكذا فلا نجاة للبشر من شر الشياطين والبشر إلا بالتسليم بأحديته تعالى وصمديته.
وسورة الإخلاص أو الصمدية تتحدث عن مراتب ذاتية لله تعالى، فهى تبين أن هويته الباطنة هى عين تجليه باسمه الأعظم الظاهر الذى اقتضى كل ما هو دونه من العوالم والأكوان، فكل ما ظهر إنما يبين للناس شيئا عنها، ولا يمكن له الوجود إلا بأن يستند إليها، أما تفسير الصمدية بأنها سمة السيد الذي يفتـقر إليه الكل فإن هذه السمة هي من مقتضيات الصمدية وليست هي عين الصمدية، ويشير إلى ذلك اسمه (الغني الحميد)، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(15)} (فاطر)، فالاسم (الغني الحميد) هو الذى يفتـقر إليه الكل بينما يستند هو إلى الصمدية، ومن المعلوم أن من فسروا الصمدية التفسير المعلوم إنما فعلوا ذلك بقياس من له الغيب المطلق على الإنسان المشهود المقيد، وكان عليهم أن ينزهوا خالقهم عن تصوراتهم وعما يصفون.
فصمديته سبحانه هي التي يستند إليها تجانس هذا العالم (Homogeneity ) وتوحد خواصه (Isotropy)، وبالتالي فإليها تستـند قوانين العالم المادي ومنها قوانين البقاء المعلومة، فثبات القوانين يستند إلى بقائه سبحانه على ما هو عليه، وتغير الظواهر التى تحكمها القوانين يشير إلى تنوع تجلياته بما هو له، وكذلك يشير إلي تغير مجالات تلك التجليات ومتعلقاتها من المقتضيات والمخلوقات، فالعالم الذى يبحث عن قوانين هذا العالم المادي يعلم أنه يبحث عن قوانين ثابتة لا تبديل لها ولا تحويل فلا سبيل إلى تغيرها، وهو علي ثقة من أنه سيجدها سارية وسيجد مفعولها نافذاً في أقصي أرجاء الكون، فهذا العالم يؤمن ويسلم وإن لم يشعر بصمدية الله تعالى، أما من لا يقيم لتلك القوانين وزنا ولا يرفع لها رأسا، ولا يرتجف إجلالا لروعتها رغم أنه يحيى فى ظلها وينعم بكل ما يستند إليها فهو كالأنعام بل هو أضل سبيلا، فإذا ما تجاوز ذلك إلى السخرية بمن يفعل ذلك وناصر الجهل والفوضى والتحلل فإنما هو شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى المهانة والذل فى الدنيا وإلى عذاب السعير فى الآخرة.
إن العلماء الماديين الحقيقيـين يؤمنون بالله تعالى وبسماته وإن لم يعلموا، ذلك لأنهم رأوا وعاينوا الآيات في الكون، وعرفوا أن القوانين ثابتة مطردة لا تتغير، وأن الأمور تسير بحكمة بالغة، وأن ثمة توازن تام في كل شيء؛ وأن كل شيء موجود بميزان وبقدر معلوم، وأن ثمة تدبير محكم وصنع متقن، وأن الكون كله وحدة واحدة تسيِّره منظومة قوانين واحدة، وهم في سعيهم الدءوب إنما يريدون الوصول إلى نظرية واحدة تـفسر كل شيء، فكل ما يصفون به الطبيعة من صفات إنما تستـند إلى أسماء الله تعالى، ولكن لِمَ لا يؤمنون؟ إنهم لا يريدون الإيمان بسبب التصورات الصبيانية المفروضة عليهم عن الإله والتي تلقـنوها في طفولتهم وفرضتها عليهم بيئـتهم ومعطيات ثقافتهم والمذاهب الضالة، فهم ما كفروا إلا بآلهة باطلة وأسماء فرضت عليهم ما أنزل الله بها من سلطان، فما كفروا إلا بتحريفات البشر وضلالاتهم ومزاعمهم وتصوراتهم الضالة .
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13- نظرات عامة جديدة، 2007.
14- نظرات في التاريخ، 2008.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق