الخلاق العلـيم
قال تعالى: { إِنّ رَبّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ } ( الحجر : 86 )، وقال: { أَوَلَـيْسَ الَذِي خَلَقَ السّمَـواتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىَ وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ } ( يس : 81 )، فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
فالخلاق العليم هو مثنى يشير إلى سمة واحدة تفصيلها الخلق المتتابع المتكرر المقترن بالعلم التفصيلي الشامل، فذلك المثنى من الأسماء التي اقتضت خلق السماوات والأرض وحتمت قيام الساعة، وإليه يستند كل تقدير في هذا اليوم، ولذا فهو القادر على أن يخلق مثل ما خلق من سماوات وأرض، ذلك لأن سماته التي تعبر عنها أسماؤه الحسنى من اللوازم الذاتية لماهيته، فكل سماته اللازمة له لا تنفك عنه، ولا تتطلب مدداً خارجياً حتى يظل محتفظاً بها.
ولقد أوتي الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثنى، بمعنى أنه أعطى الاستعداد لتقبل آثاره والقيام بمقتضياته، وليكون مظهراً له، ذلك لأنه بتزكِّيه وتطهُّره التام عما لدى البشر من أهواء ومقتضيات ذاتية صار الحكم فيه لله الواحد القهار، ولذا فإنه صار آلة إلهية إليها تستند الأحداث والوقائع اليومية، وكذلك أوكل إليه بعض التشريعات الجزئية التي تتطلب لإتمامها ذوقاً بشرياً، ولقد أوتي من القوى ما يقتضيه هذا المثنى، ولكنه قياماً بحق مقامه الأسنى وكذلك وفقاً لمقتضيات المثاني الأخرى لم يكن يستخدم قواه تلك إلا بحكمة، وذلك لأنه كان عين الرحمة، فلم يستخدم قواه ليرى قومه الآيات إلزاماً لهم بالحجة، ذلك لأنه كان يعلم أن منهم من لن يؤمن مهما رأى من آيات، ولذا فإن أية آية يرونها ستكون عذاباً إضافياً عليهم، ولكنه كان يستخدم قواه تلك إذا شاء لتثبيت أتباعه المخلصين وقضاء حاجاتهم إذا اقتضت الحكمة ذلك، فكان يسقي ويطعم الجمع الغفير من الماء أو الطعام القليل، وشفى الإمام عليا رضي الله عنه من الرمد عندما تفل في عينه وأعطاه رايته، وحقق أمل المرأة التي طلبت أن تركب البحر مجاهدة في سبيل الله بقوله لها أنت منهم.
وهذا المثنى يظهر فيما كان يستحدثه من أساليب للدعوة إلى الله تعالى واستمالة الناس إلى دين الحق، كذلك فيما يستحدثه من أساليب لتربية من آمن به من قومه وتزكية أنفسهم والإفادة من التنافس بينهم لصالح الدعوة الإسلامية، ولذا كان نجاحه باهراً فيما كُلِّف به .
ويظهر هذا المثنى أيضا فيما كان يصدر عنه من عبادات، ذلك لأن العبادات مخلوقات، يكون لها من البنيان والروح والحياة بقدر إمكانات من صدرت عنه من تقدير وعلم وإخلاص وعزم ومن شوق وحب، وهو صلى الله عليه وسلم الإمام في كل ذلك، فهو بصلاته مثلاً كان ينشئ بإذن ربه كائناً حياً روحه الإخلاص والإخبات التام لله تعالى، فكانت تصدر عنه كاملة تامة، تسبح بحمد ربها إلى يوم القيامة، وبها يتنعم في الدار الآخرة.
ولا ينبغي أن يظن أحد أن وجود خالقين يعني مشاركة لله تعالى في أمر من أموره، ذلك لأن الخلق مثله مثل سمات كالحياة والعلم والرحمة وغيرها، يظهر ويُفصَّل ويُعلَم بما لدى مخلوقاته من سمات تشاركها في الاسم وتشبهها في الأثر ولكنها لا تشبهها في أي أمر الآخر، ولذا قال تعالى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسن الخَالِقين}، كما وصف نفسه بأنه أرحم الراحمين وخير الناصرين وأحكم الحاكمين...الخ.
والفرق بين اتسام الله تعالى بسمة ما واتصاف من خلق من الكائنات بها أن سمته تعالى من لوازمه الذاتية، فما هو له لا يمكن أن ينفكَّ عنه، فهو ما تلقى سمته من أحد، لأن كل من هم سواه كالعدم بالنسبة إليه، فهم في وجودهم وفيما لديهم من صفات كمال مفتقرون إليه، وفي كل حين مستمدون منه.
فمن تجليات هذا الاسم مثلاً ما يقوم به المهندسون من تصميم المباني والآلات عن علم تفصيلي شامل وقدرة على إعادة التصميم طبقاً لنفس المتطلبات والغايات، ولكن المهندس محتاج لمن يتلقى عنه هذا العلم ومحتاج إلى متابعة التطورات في مجال عمله، أما الله سبحانه فالسمات اللازمة له كما سبق القول هي أمور ذاتية له؛ فهي من لوازم كنهه.
ولقد كان من مظاهر هذا المثنى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الصفح الجميل الذي كان يقابل به أعداءه، والمسيئين إليه، وقد كان الظهور الأعظم لذلك موقفه من أهل مكة بعد أن أظهره الله عليهم ومكَّنه منهم، وكذلك موقفه من بعض أهل المدينة ممن مردوا على النفاق وكان لا هم لهم إلا الكيد له ومحاولة النيل منه.
كذلك كان من مظاهر هذا المثنى في بعثته أنه كان أشد الرسل اعتناء بأمر اليوم الآخر، وكانت رسالته أعظم الرسالات تفصيلاً لأحداثه ووقائعه.
كما كان من مظاهر هذا المثنى في بعثته أنه كان أشد الرسل اهتماماً بالسنن والقوانين المألوفة والآيات الظاهرة في السماوات والأرض.
ولهذا المثنى آثاره وتجلياته في الكيان الإنساني، وهو من الأسماء التي إليها تستند اللطائف والإمكانات القلبية وخاصة الملكة الإبداعية.
المراجع (من كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- المقصد الديني الأول، 2006.
8- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
9- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
قال تعالى: { إِنّ رَبّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ } ( الحجر : 86 )، وقال: { أَوَلَـيْسَ الَذِي خَلَقَ السّمَـواتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىَ وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ } ( يس : 81 )، فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
فالخلاق العليم هو مثنى يشير إلى سمة واحدة تفصيلها الخلق المتتابع المتكرر المقترن بالعلم التفصيلي الشامل، فذلك المثنى من الأسماء التي اقتضت خلق السماوات والأرض وحتمت قيام الساعة، وإليه يستند كل تقدير في هذا اليوم، ولذا فهو القادر على أن يخلق مثل ما خلق من سماوات وأرض، ذلك لأن سماته التي تعبر عنها أسماؤه الحسنى من اللوازم الذاتية لماهيته، فكل سماته اللازمة له لا تنفك عنه، ولا تتطلب مدداً خارجياً حتى يظل محتفظاً بها.
ولقد أوتي الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثنى، بمعنى أنه أعطى الاستعداد لتقبل آثاره والقيام بمقتضياته، وليكون مظهراً له، ذلك لأنه بتزكِّيه وتطهُّره التام عما لدى البشر من أهواء ومقتضيات ذاتية صار الحكم فيه لله الواحد القهار، ولذا فإنه صار آلة إلهية إليها تستند الأحداث والوقائع اليومية، وكذلك أوكل إليه بعض التشريعات الجزئية التي تتطلب لإتمامها ذوقاً بشرياً، ولقد أوتي من القوى ما يقتضيه هذا المثنى، ولكنه قياماً بحق مقامه الأسنى وكذلك وفقاً لمقتضيات المثاني الأخرى لم يكن يستخدم قواه تلك إلا بحكمة، وذلك لأنه كان عين الرحمة، فلم يستخدم قواه ليرى قومه الآيات إلزاماً لهم بالحجة، ذلك لأنه كان يعلم أن منهم من لن يؤمن مهما رأى من آيات، ولذا فإن أية آية يرونها ستكون عذاباً إضافياً عليهم، ولكنه كان يستخدم قواه تلك إذا شاء لتثبيت أتباعه المخلصين وقضاء حاجاتهم إذا اقتضت الحكمة ذلك، فكان يسقي ويطعم الجمع الغفير من الماء أو الطعام القليل، وشفى الإمام عليا رضي الله عنه من الرمد عندما تفل في عينه وأعطاه رايته، وحقق أمل المرأة التي طلبت أن تركب البحر مجاهدة في سبيل الله بقوله لها أنت منهم.
وهذا المثنى يظهر فيما كان يستحدثه من أساليب للدعوة إلى الله تعالى واستمالة الناس إلى دين الحق، كذلك فيما يستحدثه من أساليب لتربية من آمن به من قومه وتزكية أنفسهم والإفادة من التنافس بينهم لصالح الدعوة الإسلامية، ولذا كان نجاحه باهراً فيما كُلِّف به .
ويظهر هذا المثنى أيضا فيما كان يصدر عنه من عبادات، ذلك لأن العبادات مخلوقات، يكون لها من البنيان والروح والحياة بقدر إمكانات من صدرت عنه من تقدير وعلم وإخلاص وعزم ومن شوق وحب، وهو صلى الله عليه وسلم الإمام في كل ذلك، فهو بصلاته مثلاً كان ينشئ بإذن ربه كائناً حياً روحه الإخلاص والإخبات التام لله تعالى، فكانت تصدر عنه كاملة تامة، تسبح بحمد ربها إلى يوم القيامة، وبها يتنعم في الدار الآخرة.
ولا ينبغي أن يظن أحد أن وجود خالقين يعني مشاركة لله تعالى في أمر من أموره، ذلك لأن الخلق مثله مثل سمات كالحياة والعلم والرحمة وغيرها، يظهر ويُفصَّل ويُعلَم بما لدى مخلوقاته من سمات تشاركها في الاسم وتشبهها في الأثر ولكنها لا تشبهها في أي أمر الآخر، ولذا قال تعالى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسن الخَالِقين}، كما وصف نفسه بأنه أرحم الراحمين وخير الناصرين وأحكم الحاكمين...الخ.
والفرق بين اتسام الله تعالى بسمة ما واتصاف من خلق من الكائنات بها أن سمته تعالى من لوازمه الذاتية، فما هو له لا يمكن أن ينفكَّ عنه، فهو ما تلقى سمته من أحد، لأن كل من هم سواه كالعدم بالنسبة إليه، فهم في وجودهم وفيما لديهم من صفات كمال مفتقرون إليه، وفي كل حين مستمدون منه.
فمن تجليات هذا الاسم مثلاً ما يقوم به المهندسون من تصميم المباني والآلات عن علم تفصيلي شامل وقدرة على إعادة التصميم طبقاً لنفس المتطلبات والغايات، ولكن المهندس محتاج لمن يتلقى عنه هذا العلم ومحتاج إلى متابعة التطورات في مجال عمله، أما الله سبحانه فالسمات اللازمة له كما سبق القول هي أمور ذاتية له؛ فهي من لوازم كنهه.
ولقد كان من مظاهر هذا المثنى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الصفح الجميل الذي كان يقابل به أعداءه، والمسيئين إليه، وقد كان الظهور الأعظم لذلك موقفه من أهل مكة بعد أن أظهره الله عليهم ومكَّنه منهم، وكذلك موقفه من بعض أهل المدينة ممن مردوا على النفاق وكان لا هم لهم إلا الكيد له ومحاولة النيل منه.
كذلك كان من مظاهر هذا المثنى في بعثته أنه كان أشد الرسل اعتناء بأمر اليوم الآخر، وكانت رسالته أعظم الرسالات تفصيلاً لأحداثه ووقائعه.
كما كان من مظاهر هذا المثنى في بعثته أنه كان أشد الرسل اهتماماً بالسنن والقوانين المألوفة والآيات الظاهرة في السماوات والأرض.
ولهذا المثنى آثاره وتجلياته في الكيان الإنساني، وهو من الأسماء التي إليها تستند اللطائف والإمكانات القلبية وخاصة الملكة الإبداعية.
المراجع (من كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- المقصد الديني الأول، 2006.
8- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
9- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق