الاثنين، 25 مايو 2009

من الأسماء الحسنى: الكاتب

الكاتــب
قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }الأنبياء94، فهذا الاسم من نسق الأسماء الحسنى المفردة، وهذا الاسم يقتضي أفعالاً إلهية عديدة ومتنوعة، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }البقرة178 * {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ }البقرة180 * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183 * {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216 * {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء81 * {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ }المائدة21 * {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }المائدة32 * {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }المائدة45 * {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام12 * {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام54 * {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }الأعراف145 * {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}التوبة51 * {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}التوبة120 * {وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }التوبة121 * {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً }مريم79 * {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105 * {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }الحج4 * {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }يس12 * {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }الزخرف19 * {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}المجادلة21 * {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المجادلة22 * {وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ }الحشر3

إن الكتابة هي التدوين أو التسجيل أو الإثبات أو الفرض أو الحفظ أو العزم أو التقدير أو الإيجاب، وكل أمر اجتمعت أسباب تحققه وارتفعت موانع ذلك يكون قد تم كتابته وإيجابه، فالكتابة تقتضى اجتماع أمور شتى لتقرير أمر أو حكم أو تعيينه أو تقدير قانون بهدف إنفاذه، وآثار أفعال الإنسان العائدة عليه إذا ما تأكدت وثبتت ورسخت بتكرار تلك الأفعال يقال إنها كتبت.
والكتابة المنسوبة إلي الله سبحانه هي فعل إلهي يعبر عن مقتضيات القوانين والسنن الإلهية في كون من الأكوان، وهو بالنسبة إليه منزه عن التقيد بالزمان، لذلك فإنه سبحانه يوجب ما اقتضته قوانينه في وقته المقدر بمقتضي تلك القوانين وبالنظر إلي أحوال الكون، فالكتابة تعبر عن حتمية تحقق أمر ما وإيجابه، وهي أيضا تعبر عن إيقاع آثار العمل بالإنسان والأمة بمقتضي القوانين، وكل ذلك يكون من حيث كل منظومة الأسماء الحسني.
وعبِّر بالكتابة أيضاً عن تراتبية الأسماء والسمات، فللرحمة التقدم عند التعامل مع الكيانات المخيرة، ولقد تمثل ذلك في مضاعفة آثار الأعمال الحسنة وفي تقليل تأثيرات الأعمال السيئة أو سترها أو محوها.
وثمة كتابة من حيث منظومة أسماء الرحمة والهدي ينتج عنها الأوامر والتعليمات التي يجب علي الإنسان المخير العمل بمقتضياتها إذا أراد النجاة والسعادة، فتلك الأوامر مجالها الكيانات الإنسانية المخيرة، وبالتالي فهم مخيرون بشأنها، ويترتب علي طبيعة ومدى استجابتهم لها تغيرات في كياناتهم الجوهرية طبقاً للسنن، فإذا ما رسخت تلك التغيرات يقال إنها كتبت.
وناتج ممارسة فعل الكتابة هو الأمور المكتوبة، وجماعها يسمى بالكتاب، فالكتاب يتضمن القوانين الواجبة والسنن اللازمة والكلمات التي لا تبديل لها ولا تحويل والتي اقتضتها الأسماء الحسني، كذلك فإن الأمر أو الحكم الذي قضى به يقال إنه كُتِب فأصبح من المحتم تحققه ووقوعه, فالكتابة هي فعل ينتج عنه الأمر المكتوب، وهذا الأمر يكون بذلك قد وجب تحققه ووجوده بمقتضى القوانين والسنن فتحققت كل الشروط والأسباب اللازمة لذلك وارتفعت كل الموانع، والكتاب هو محل ما كتب من الأمور، وبالكتابة يتحقق الأمر هنالك في العالم الألطف قبل أن يتحقق في العالم الأكثف, فطالما وجد كيان أو تجمع إنساني فإنه ينشأ بإزائهم كتاب تحصى عليهم فيه أعمالهم وآثار أعمالهم وذلك هو الكتاب الذي يحاسبون عليه ويقضي لهم أو عليهم به ويدعون إليه ويلقونه منشورا, فبالنظر في هذا الكتاب وبالرجوع إلى القوانين والسنن يقضي في أمرهم, فالحكم الصادر هو عين ما يكتب ثم يتحقق، فهو ما يصيبهم نتيجةً لأعمالهم الاختيارية، وتلك الكتب على هيئة أنساق تكون السيادة فيها للأعظم إحاطة وللأعم وللأشمل على ما هو دونه، فكتاب الأمة حاكم على كتاب الفرد ويكون الحكم الصادر على الأمة بمثابة القضاء السابق والمحكم بالنسبة للفرد فلا يفلت الفرد من حكم صدر على أمته إلا فيما ندر وفي حالات شديدة الخصوصية وطبقا لقانون أعظم سيادة مثل حتمية نصر المؤمنين الذين آمنوا بالمرسلين المعاصرين كمن آمن مع نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام, كما أن ثمة ابتلاءات تدبر بالنسبة للأفراد فلابد من كتابة هذا الابتلاء أي إيجابه في عالم الغيب قبل أن يتحقق في عالم الشهادة, كذلك إذا ما اعتقدت طائفة ما أن التقرب إلى الله تعالى لا يكون إلا بالتزام نهج معين أو طقوس معينة ووقر ذلك في نفوسهم وترسخ فيها فإنهم يطالبون بالوفاء به، لذلك يقال إن هذا النهج قد كتب عليهم ويؤاخذون به, وكل تكليف ليس من لدن الحق فيه مشقة على الناس، لذلك فإنه لن يستطيع القيام به إلا الخاصة أما العامة فإنهم سيكلُّون بالضرورة عنه فيزدادون ضلالاً وفسقا.

والرمز كفعل له يشير إلي أمر كرِّس وكدس وتراكم ثم قدر وبرز من باطن إلي ظاهر فبدأ به أمر ملزم لمفردات وعناصر مجاله.
والسنن الإلهية هي من مقتضيات الأسماء الإلهية، وتلك السنن تترتب في أنساق طبقاً لمنظومة الأسماء التي اقتضتها، ويقال لما اقتضته الأنساق الأعلى من الأمور أن الله سبحانه قد كتبها علي نفسه، ولذلك كان لمقتضيات الرحمة التقدم علي مقتضيات المؤاخذة الدقيقة الصارمة وكان لمن جاء بالحسنة عشر أمثالها.

إن الأمر المكتوب هو ما وجب تحققه وهو الأمر الذي لا تبديل له ولا تحويل فهو يشمل القوانين والسنن وكذلك الحقائق والماهيات الأولية، وكذلك يشمل الأحكام التي تصدر علي الكيانات المخيرة بسبب أفعالهم الاختيارية وبالنظر إلى نسق القوانين الحاكم عليه، وبالنسبة إلى إنسانٍ ما فإن ما كتبه الله عز وجل عليه هو ما قدَّره أو علمه، ذلك لأن له الإحاطة العلمية التامة بهذا الإنسان وبكل ما صدر عنه وما يمكن أن يصدر عنه بكافة احتمالاته الممكنة، والأصل هو أن ثمة فرقانا بين الأمر المكتوب وبين الأمر المقدر، فالأمر المقدَّر بصفة عامة يعني الأمر المحتمل بالنظر إلى طبيعة إنسان معيَّن، والأمور المقدرة لا حصر لها فهي تعتمد علي توفر شروط ومواقف معينة، والأمر الذي قدره من له العلم المطلق لابد من صدوره عن الإنسان عند توفر الشروط الخارجية اللازمة، فهو لعلمه بطبيعة إنسانٍ ما يمكنه أن يقدر أن هذا الإنسان سيثبت عند لقاء الأعداء، وله بعد ذلك أن يثبت صدق تقديره بأن يدبر الأمر بحيث يجد هذا الإنسان نفسه في مواجهة الأعداء بالفعل فيثبت ويصدق التقدير، والتثبيت هو أيضا فعل؛ فهو بالأصالة لله لأن له كل كمال وتأثير، أما الأمر المكتوب فهو حالة خاصة من الأمر المقدر، فهو إما أن يكون حكماً صدر علي الكيان أو واقعة لابد أن تحدث له، وقد يكتب الأمر المقدر بمعنى أن يدون وأن يسجل، ويجب العلم بأن حقيقة الإنسان المقتضية لاستجاباته لما يمر به من وقائع وأحداث لا يمكن أن تتغير قبل أن تتحقق وإلا لما كانت حقيقة أو لما ظهر هذا الإنسان ولظهر غيره، وتلك الحقيقة تظهر كاحتمال ممكن بسريان نسق معين من القوانين والسنن علي كون من الأكوان تجري الأحداث والوقائع فيه، ولله وحده أن يختار من بين كافة الحقائق الإنسانية الممكنة ما يخلقه ويحققه.

إنه لكل كيان إنساني كتاب يتضمن ما صدر عنه من أفعال وأقوال تبيِّن مدي استجابته للأوامر الشرعية وللسنن الوجودية الكونية، وبالنظر إلي نسق القوانين والسنن الحاكم علي هذا الكيان يترتب حكم ما عليه قد يتحقق في الدنيا أو في البرزخ أو في الآخرة، والحكم الذي يكتب لابد من تحققه، وثمة أحكام مقدرة لم تكتب فهي قابلة لإعادة النظر فيها، والأحكام الصادرة تتم بمقتضي أنساق القوانين والسنن التي هي من مقتضيات السمات الإلهية ومنها العدل والرحمة، ولقد اقتضت تلك القوانين أن يكون للإنسان إرادة حرة واختيار وقدرة وغير ذلك من الإمكانات التي هي من مقتضيات طبيعته والتي هي بذلك محددة ومقيدة ولكنها كافية لكي يتحمل بموجبها المسئولية عن موقفه من الأوامر الشرعية، والكيان الإنساني بتوافقه مع الأوامر الشرعية يتحسن كيانه الجوهري بينما يتدهور هذا الكيان بمخالفتها، وهذا يعني أن الإنسان يواجه في حياته إما وقائع مترتبة علي تدبير إلهي بهدف ابتلائه حتى تبرز حقيقته وخصائص ماهيته وإما أحكاما واجبة النفاذ مترتبة علي أفعال اختيارية سابقة كان لابد من مؤاخذته بها في الدنيا قبل الآخرة أو علي أحكام صدرت علي الكيان الإنساني الأعلى الذي يشكل هذا الإنسان عنصرا من عناصره، وهذا هو أصل الواجبات المفروضة علي الإنسان تجاه ذوي قرباه وتجاه أمته، فالإنسان معرض لمواجهة أحكام صدرت علي قبيلته أو علي قومه أو علي بلده أو حتى علي البشرية جمعاء في عصره، وذلك بمقتضي أنساق أعلي من القوانين والسنن، ويجب الإيمان بأن كل ما يتحقق في الكون إنما هو بالأصالة من تدبير الله تعالي، فهو الذي يدبر الأمر ويفصل الآيات لكي يحقق مقاصده وكل ما في الكون يجري بعلمه وبمقتضي قوانينه وسننه، وهو الذي أعطي كل إنسان مجالا يمتد بطول عمره لكي يسعى لتحقيق كماله، وتدبير الوقائع والأحداث الكونية إنما يتم بمقتضي القوانين والسنن وما يترتب علي حل المعادلات الكونية لتحقيق المقاصد الوجودية وكل ذلك هو من الشئون الإلهية المحض لا يسال فيها عما يفعل، ولكن لابد من الثقة التامة به وبلوازم وجوده من الأسماء الحسني ومقتضياتها من القوانين والسنن، ويجب العلم بأن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها الذي يعلمه هو ولا يكلفها إلا ما آتاها من خزائنه وهو لن يحاسب إنسانا إلا علي عمره الذي سمح له به وعلي ما أعطاه فيه من فرص وإمكانات للوصول إلى كماله، ولو تدبر الإنسان لأدرك أنه بالنسبة إلى الزمن اللانهائي المتطاول فإن الفوارق الزمنية الأرضية هي جد قصيرة جدا، وجسم الإنسان الأرضي هذا ليس بمقدر للخلود، وليس ثمة فرقان كبير بين هلاك آلاف الأشخاص في لحظة زمنية قصيرة بسبب كارثة طبيعية وبين هلاك كل منهم علي حدة علي مدي نصف قرن مثلا، فالحياة الدنيا هي حياة قصيرة عابرة ومتاعها جد قليل ولكنها كافية تماما لتحقيق المقاصد الوجودية.

لقد كتب الله لبني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة، وبالتالي صار دخولهم هذا أمرا مقضيا، ولكن كان عليهم القيام بكل ما يلزم لتحقيق هذا الدخول من إعداد القوة اللازمة وقتال من كانوا فيها، فلما قصَّر القرن الذي كُلِّف وأُمِر بتحقيق ما كتب بل وتبجحوا أسند تحقيق الأمر إلي قرن آخر من بني إسرائيل، وهذا يعني أن القضاء كان مجملا ولم يُختَص قرن معين بتحقيقه.

إن الكتابة بمعنى إيجاب أمر أو حكم تكون بمقتضى تحقق وسريان القوانين، ولذلك قد تفرض علي الناس أحكام شرعية بسبب أعمالهم، ولقد ختم ذلك باكتمال الدين.

إن الأمور التي لا تبديل لها ولا تحويل هي حقائق الأشياء والقوانين والسنن وكذلك الوقائع التي لا مفر منها ولا محيص عنها، وثمة أمور محكمة يمكن أن تتنوع طرق تفصيلها.

المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13- نظرات عامة جديدة، 2007.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق