الأحد، 10 مايو 2009

من الأسماء الحسنى: الرءوف الرحيم

الرءوف الرحيم
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }البقرة143، {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة117، {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }النحل7، {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ}النحل47، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحج65، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }النور20، {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحديد9، {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}الحشر10، ولذلك فالمثنى (الرءوف الرحيم) من أسماء النسق الأول، وهو اسم يشير إلى سمة تفصيلها الرأفة المقترنة بالرحمة فهى تعنى الشفقة والعطف واللطف والرفق والإغضاء، وتلك السمة من السمات التي اقتضت أن تكون العلة الغائية لهذا العالم المادي حفظ وبقاء النوع الإنساني والسماح له بالتطور والرقى إلى كماله المادي والمعنوي والظاهري والباطني، وهذا يعنى أنه إذا انتهت حاجة الإنسان إلى هذا العالم المادي فلا بد من انقضائه وطيه كما تطوى الكتب، وتلك السمة هي التي اقتضت توافق الإنسان مع بيئته، واقتضت بناء هذا العالم وفق قوانين وسنن تكفل بقاء الإنسان، وهذا الاسم من الأسماء التي اقتضت إمساك السماوات والأرض وفقا لقوانين وسنن قابلة للإدراك والاكتشاف واقتضت تسخير ما فيها للإنسان، ذلك لأن تلك القوانين والآيات والسنن هي التي يمكن بها التعرف على أسماء الله سبحانه وبالتالي معرفته المعرفة الممكنة إذ لا سبيل أصلا لإدراك كنه ذاته أو أسمائه، وهكذا فهذا الاسم من الأسماء التي اقتضت قوانين الإمساك، فهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، ويمسك على الأمة وحدتها وتماسكها بأن يربط آخرها بأولها وخلفها بسلفها فيأمر اللاحق بالاستغفار للسابق ويحفظ على الناس إيمانهم.
فهذا الاسم يشير إلى الرحمة الواسعة المدى البالغة العمق والنفاذ والتأثير والإحاطة، وهو سبحانه من حيث هذا الاسم لا يضيع إيمان أحد، بل يحفظ له آثار أفعاله الحسنة ويضاعفها له، ويتوب عليه إذا أساء ويحفظه من الزيغ إن التجأ إليه، وإليه ترجع قوانين الإمساك التى بها يحفظ على العالم بقاءه، وهو الذى يخرج الناس من ظلمات العدم إلى نور الوجود بآيات الكتاب المشهود، ومن ظلمات الضلال إلى نور الهدى بآيات الكتاب المقروء، وكل هذا يقتضى أن يتحلى الإنسان بمقتضيات تلك السمة فيسأل الله تعالى المغفرة لإخوانه الذين سبقوه بالإيمان وألا يجعل فى قلبه غلا لهم، فهذا الاسم يشير إلى الرحمة الحبيبة الودودة التى لا تحتمل غلاً والتي تـقـتضي العناية الصافية الخالصة المبذولة دون انتظار جزاء أو طمع في شكر.
وقد يظن المسلم أن نجاته إنما تكون بالتمسُّك المطلق بأقوال السلف دون غيرهم ولا يملُّ دعاة هذا الاتجاه من تكرار أن الأوائل لم يتركوا للأواخر شيئا، وهذا القول مضاد تماماً للتعاليم القرآنية، ذلك لأن له سبحانه فى كل عصر شئونه وآياته، فهو ما ينسخ من آيةٍ سابقة إلا ليأتي بخيرٍ منها أو مثلها من الآيات اللاحقة، وهو البديع الذي لديه دائماً ما يبهر الألباب ويحير العقول، فنجاة المسلم إنما تكون بأن يعقد العزم على البحث عن الحق وعلي اتباعه إذا ما ظهر له، وأن يردد بكل ما استطاع من قوة وعزم وإخلاص: (اللهمَّ أرِنا الحقَّ حقَّـاً وارزقْنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزقْنا اجْتنابَه)، فنجاة المسلم إنما تكون بإخلاصه فى العمل بما علم من أمور دينه، وفى اتباعه ما أنزل إليه من ربه، وعليه ألا يتبع من دونه أولياء، وأن يهجر ما خالف روح الدين ومقاصده العظمي من تعاليم الأسلاف والآباء، وأن يعرف الرجال بالحق لا أن يعرف الحق بالرجال؛ بمعني أن يعرف الحق حتى يعرف رجاله، إن الأئمة المجتهدين لم يخطئوا في مسعاهم وإنما أخلصوا واجتهدوا وبذلوا وسعهم وأحسنوا استخدام ما أتيح لهم، ولقد قاموا بما قاموا به بجهود فردية على الأمة أن تشكرها لهم، وإنما أخطأ من اتخذهم أرباباً من دون الله تعالى بلسان الحال فإنه لا يجرؤ على فعل هذا بلسان المقال، ومن علامات ذلك أن يقدم اجتهاداتهم على الآيات البينة وعلي السنن المتواترة، ولقد أخطأ من عدَّهم معصومين أو اتخذهم مشرِّعين، فنسب بذلك إليهم وإن لم يدر سمات رب العالمين، وكان على المسلمين أن يتمسكوا بما تعلموه من الذكر الحكيم وألا يقبلوا أى زعم إلا ببرهان مبين.
والرحمة المقترنة بالرأفة من مكارم الأخلاق التي لابد أن يعمل علي التحلي بها كل من يريد التحقق بالكمال وكل من يسعى لتحقيق مقاصد الدين، ولابد لكل داع إلي طريق الحق من أن يتحلى بمقتضيات السمة التي يشير إليها هذا الاسم، ولذلك أُمِر موسى عليه السلام أن يقول لفرعون قولاً ليِّنا، أما الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فلقد شهد له ربه بالتحقق التام بتلك المقتضيات، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}التوبة128، ولذلك يجب رفض كل المرويات التي تتناقض مع تلك الشهادة الإلهية، كما يجب علي من أراد التأسي بالرسول أن يتأسى به في الأمور الحقيقية التي ذكرها ربه في كتابه عنه، كما يجب على كل مسلم أن يتمسك بالصورة القرآنية للرسول وأن ينبذ كل ما تعارض معها مهما كان مصدره.
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- المقصد الديني الأول، 2006.
8- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
9- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق