الخالق البارئ المصوِّر
قال تعالى: { هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ البارئ الْمُصَوّرُ } ( الحشر : 24 )، فطبقاً لأسس استخراج الأسماء فإن ( الأول والآخر والظاهر والباطن ) هو اسم واحد يعبر عنه بكل تلك الألفاظ، وهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
فهذا الاسم يشير إلى سمة واحدة تفصيلها هو تلك السمات الثلاثة إذ هي أقرب ما يمكن به التعبير عنها، وبانظر إلى آثار ومقتضيات تلك السمات الثلاثة يمكن للإنسان من حيث ملكاته القلبية الذهنية أن يتعرَّف على تلك السمة، فالإنسان يدرك ويتفهَّم الأشياء بتحليلها وتفصيلها، أما من حيث الحقّ سبحانه وتعالى فهي سمة واحدة تقتضي إيجاد الكائنات ذات الصورة كالإنسان والشمس والقمر والدواب والشجر وغيرها مما يمكن أن يتعلق به الإدراك البصري، فمن حيث ذلك الاسم هو يخلق الشيء أو يقدِّره، والتقدير هنا هو التصميم (To Design) طبقاً للمصطلح المعاصر، فمن مظاهره في هذا العالم: المهندس المصمِّم، ومحلُّ الشيء من حيث هو مصمَّم هو العالم العلمي الباطن والذي هو من عالم الغيب بالنسبة للإنسان، والبارئ هو الذي يتولى التنفيذ ويكون ذلك باختيار المواد المناسبة وكميَّاتها كما يتولى صياغتها وفقاً لما هو موجود من تقدير أو تصميم، فمن مظاهره في هذا العالم المهندس التنفيذي أو الإنشائي، ثم يتم التصوير، وهو الصياغة الشكلية للكائن العيني أو هو الكائن كما يظهر للآخرين، فبتلك الصورة تتعلق الإدراكات المناسبة التي لدى الكائنات الأخرى، ومن مظاهر المصور في هذا العالم المهندس المعماري، فالمصور هو مانح الصورة ومبدعها فهو الذي يختارها من كل ما لديه مما اقتضاه من صور ممكنة وليس هو ملتقط الصورة.
وبالتصوير يتم ظهور الكائن ذي الصورة ، فيؤول أمره إلى الخالق الذي يقدر له من الأحداث والوقائع والابتلاءات ما يحقق الغرض من خلقه وإيجاده، هذا بالإضافة إلى أنه يعيد خلقه من جديد بما يجريه في جسده من تبديل وتغيير وإحلال وتعويض وبذلك تتم الحلقة الإلهية التي تتولى أمر الكائنات ذات الصورة، فتقلب الإنسان في أطواره المختلفة مقترن بخلقه خلقاً من بعد خلق.
ويلاحظ -بالرجوع إلى قوائم الأسماء الحسنى التي تم استخراجها من القرآن- أن الاسم المفرد الخالق من أسماء النسق الأول وكذلك الاسم البارئ، أما المصور فهو من أسماء نسق الأسماء المفردة فقط، وذلك لأن كل اسم من الأسماء لابد من أن يؤدي وظيفة تامة فالاسم الخالق البارئ المصور ينتج عنه كل ما له صورة من الكائنات كالإنسان والدواب والشمس والقمر، ولابد في تلك الحالة من أن يكون التصوير مسبوقاً بالخلق والبرء، ولكن الخلق يمكن أن ينتج عنه الكائنات والأمور المقدرة التي لا صورة لها، فهي ليست بحاجة إلى عمل البارئ والمصور ليكتمل تعينها، فالخالق يقدِّر الأمور ويضع التصميمات (الأشياء المقدَّرة) ولكنه قد لا يحققها بالبرء، وقد لا تقتضي ماهية الكائن أو حقيقته أن يكون له صورة يتعلق بها الإدراك البصري، كذلك يمكن أن يستقل البارئ بوظائف عديدة ، فالبارئ يخلق ويسوِّي ما لا صورة له كالنفوس المجردة والكائنات اللطيفة والتي قد تدركها حواس الإنسان الباطنة فتصورها بصورة من المختزنة لديها، والبارئ هو الذي يبدع الأشياء دون أن تسبقها عملية خلق، وهو أيضاً الذي يحقق ما كتب علي الإنسان و علي الأمم من مصائب ويداوي ما لدى الناس من نقص وما يترتب عليه ويخلصهم من آثاره .
وهكذا فالاسم الإلهي يعبر عن فعالية إلهية تامة، ولكن العقل البشري الذي يستمد خبراته من هذا العالم المادي يريد أن يحلِّل ليفهم ويستوعب، ففي هذا العالم من يريد أن يبني بيتاً مثلاً فإنه يستحضر كل ما لديه من علم وإمكانات ليصمم البيت في ذهنه أولاً، وقد يستعين بوسائل خارجة عنه لرسم هذا التصميم كورقة أو شاشة حاسوب ، ثم يقوم بتنفيذ هذا التصميم ، وقد يضطر إلى تعديل هذا التصميم، ثم بعد التنفيذ يقوم بوضع اللمسات النهائية على البيت لإكسابه شكلاً جمالياً، وقد يضطلع بكل عملية من تلك العمليات شخص آخر أو مجموعة أشخاص، أما بالنسبة لله تعالى ؛ فلعلمه المحيط الشامل وقدراته اللانهائية وكماله المطلق، يستطيع أن ينجز كل تلك الأعمال من حيث اسم واحد، فهو ليس بحاجة إلى مراجعة نفسه، ولا يبدو له أمر لم يكن في حسبانه، ولا يحتاج إلى هيئة من المساعدين ولا إلى مواد ينفِّذ بها البناء وهو غير مقيد بزمان أو مكان ولا يمسه من لغوب.
وإلى الاسم الخالق البارئ المصور يستند الكثير من الملكات والقدرات والأنشطة الذهنية في الإنسان.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- المقصد الديني الأول، 2006.
8- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
9- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
10- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
قال تعالى: { هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ البارئ الْمُصَوّرُ } ( الحشر : 24 )، فطبقاً لأسس استخراج الأسماء فإن ( الأول والآخر والظاهر والباطن ) هو اسم واحد يعبر عنه بكل تلك الألفاظ، وهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
فهذا الاسم يشير إلى سمة واحدة تفصيلها هو تلك السمات الثلاثة إذ هي أقرب ما يمكن به التعبير عنها، وبانظر إلى آثار ومقتضيات تلك السمات الثلاثة يمكن للإنسان من حيث ملكاته القلبية الذهنية أن يتعرَّف على تلك السمة، فالإنسان يدرك ويتفهَّم الأشياء بتحليلها وتفصيلها، أما من حيث الحقّ سبحانه وتعالى فهي سمة واحدة تقتضي إيجاد الكائنات ذات الصورة كالإنسان والشمس والقمر والدواب والشجر وغيرها مما يمكن أن يتعلق به الإدراك البصري، فمن حيث ذلك الاسم هو يخلق الشيء أو يقدِّره، والتقدير هنا هو التصميم (To Design) طبقاً للمصطلح المعاصر، فمن مظاهره في هذا العالم: المهندس المصمِّم، ومحلُّ الشيء من حيث هو مصمَّم هو العالم العلمي الباطن والذي هو من عالم الغيب بالنسبة للإنسان، والبارئ هو الذي يتولى التنفيذ ويكون ذلك باختيار المواد المناسبة وكميَّاتها كما يتولى صياغتها وفقاً لما هو موجود من تقدير أو تصميم، فمن مظاهره في هذا العالم المهندس التنفيذي أو الإنشائي، ثم يتم التصوير، وهو الصياغة الشكلية للكائن العيني أو هو الكائن كما يظهر للآخرين، فبتلك الصورة تتعلق الإدراكات المناسبة التي لدى الكائنات الأخرى، ومن مظاهر المصور في هذا العالم المهندس المعماري، فالمصور هو مانح الصورة ومبدعها فهو الذي يختارها من كل ما لديه مما اقتضاه من صور ممكنة وليس هو ملتقط الصورة.
وبالتصوير يتم ظهور الكائن ذي الصورة ، فيؤول أمره إلى الخالق الذي يقدر له من الأحداث والوقائع والابتلاءات ما يحقق الغرض من خلقه وإيجاده، هذا بالإضافة إلى أنه يعيد خلقه من جديد بما يجريه في جسده من تبديل وتغيير وإحلال وتعويض وبذلك تتم الحلقة الإلهية التي تتولى أمر الكائنات ذات الصورة، فتقلب الإنسان في أطواره المختلفة مقترن بخلقه خلقاً من بعد خلق.
ويلاحظ -بالرجوع إلى قوائم الأسماء الحسنى التي تم استخراجها من القرآن- أن الاسم المفرد الخالق من أسماء النسق الأول وكذلك الاسم البارئ، أما المصور فهو من أسماء نسق الأسماء المفردة فقط، وذلك لأن كل اسم من الأسماء لابد من أن يؤدي وظيفة تامة فالاسم الخالق البارئ المصور ينتج عنه كل ما له صورة من الكائنات كالإنسان والدواب والشمس والقمر، ولابد في تلك الحالة من أن يكون التصوير مسبوقاً بالخلق والبرء، ولكن الخلق يمكن أن ينتج عنه الكائنات والأمور المقدرة التي لا صورة لها، فهي ليست بحاجة إلى عمل البارئ والمصور ليكتمل تعينها، فالخالق يقدِّر الأمور ويضع التصميمات (الأشياء المقدَّرة) ولكنه قد لا يحققها بالبرء، وقد لا تقتضي ماهية الكائن أو حقيقته أن يكون له صورة يتعلق بها الإدراك البصري، كذلك يمكن أن يستقل البارئ بوظائف عديدة ، فالبارئ يخلق ويسوِّي ما لا صورة له كالنفوس المجردة والكائنات اللطيفة والتي قد تدركها حواس الإنسان الباطنة فتصورها بصورة من المختزنة لديها، والبارئ هو الذي يبدع الأشياء دون أن تسبقها عملية خلق، وهو أيضاً الذي يحقق ما كتب علي الإنسان و علي الأمم من مصائب ويداوي ما لدى الناس من نقص وما يترتب عليه ويخلصهم من آثاره .
وهكذا فالاسم الإلهي يعبر عن فعالية إلهية تامة، ولكن العقل البشري الذي يستمد خبراته من هذا العالم المادي يريد أن يحلِّل ليفهم ويستوعب، ففي هذا العالم من يريد أن يبني بيتاً مثلاً فإنه يستحضر كل ما لديه من علم وإمكانات ليصمم البيت في ذهنه أولاً، وقد يستعين بوسائل خارجة عنه لرسم هذا التصميم كورقة أو شاشة حاسوب ، ثم يقوم بتنفيذ هذا التصميم ، وقد يضطر إلى تعديل هذا التصميم، ثم بعد التنفيذ يقوم بوضع اللمسات النهائية على البيت لإكسابه شكلاً جمالياً، وقد يضطلع بكل عملية من تلك العمليات شخص آخر أو مجموعة أشخاص، أما بالنسبة لله تعالى ؛ فلعلمه المحيط الشامل وقدراته اللانهائية وكماله المطلق، يستطيع أن ينجز كل تلك الأعمال من حيث اسم واحد، فهو ليس بحاجة إلى مراجعة نفسه، ولا يبدو له أمر لم يكن في حسبانه، ولا يحتاج إلى هيئة من المساعدين ولا إلى مواد ينفِّذ بها البناء وهو غير مقيد بزمان أو مكان ولا يمسه من لغوب.
وإلى الاسم الخالق البارئ المصور يستند الكثير من الملكات والقدرات والأنشطة الذهنية في الإنسان.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- المقصد الديني الأول، 2006.
8- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
9- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
10- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق