العزيز الرحيم
قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الشعراء9 * {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }الشعراء217 * {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ- بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الروم4-5 * {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }يس5 * {إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الدخان42
فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هذا الاسم من أسماء منظومة العزة، ومنها الأسماء: العزيز الرحيم، العزيز العليم، العزيز الحكيم، العزيز الحميد، العزيز الغفار، العزيز الغفور، العزيز الوهاب، العزيز المقتدر، القوي العزيز، الملك القدوس العزيز الحكيم، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، رب العزة، العزيز.
والعزة سمة محكمة تفصيلها المنعة والرفعة والغلبة والندرة والقهر والقوة, وهذا يعني علوه سبحانه على قدرات وإمكانات الحواس والملكات الظاهرة والباطنة، فلا مثل له ولا كفؤ له، ولا يمكن لأحد أن يعرف ذاته ولا أسماءه على ما هي عليه, ولا يمكن أن تدركه الأبصار أو البصائر أو الأفكار أو الخواطر, وهذا يعني أيضا أن له القوة والقهر فوق عباده فله الغلبة المطلقة والبطش الشديد فهو الغالب على أمره.
وها الاسم يشير إلى سمة واحدة تفصيلها العزة المقترنة بالرحمة مع تقدم العزة، وذلك بمعنى أم ممارسة مقتضيات العزة تفضي إلى الرحمة، فمن كان عزيزاً غالباً علي أمره لا يعامل من هم من دونه كأنداد له، وهو إن بطش بهم لكفرهم وفسوقهم وتماديهم في التمرد والإفساد والظلم فإن بطشه يكون ممتزجاً بالرحمة ومؤد إلى تحقيق مقتضياتها.
والاسم العزيز الرحيم من الأسماء التي يجب التوكل عليها مثله مثل الاسم "الله" والاسم "العزيز الحكيم" والاسم "السميع العليم"، وهذا التوكل هو ركن فرعي لأركان عديدة جوهرية من أركان الدين.
ولقد أوتي الرسول صلى الله عليه وسلم المثني العزيز الرحيم، قال تعالى: {وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ} (الشعراء: 9)، وهذا المثنى من أخصِّ المثاني وألزمها بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخصّها به، ولذلك تكرر تسع مرات في السورة التي كانت من مقتضيات إظهار حنان الله تعالى وحبه لرسوله صلى الله عليه وسلم وهي سورة الشعراء، وهذا المثني من أسماء منظومة النصر فلابد من انتصار من كان له، فمن مظاهر هذا المثنى إذاً هلاك من عاند الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر به ونجاة وانتصار من اتبعه وآمن به.
والرسول صلى الله عليه وسلم من مظاهر الاسم العزيز الرحيم قال تعالى: {يَس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ}، ويلاحظ أن الآية تنطبق على القرآن الحكيم كما تنطبق على الرسول الكريم، فالاسم العزيز الرحيم من أسماء تنزيل القرآن، كما أنه بالرسول صلى الله عليه وسلم ظهر المعنى الذي يشير إليه ذلك المثنى فمن أراد مثلاً حيَّـاً ظاهراً للسمة التي يشير إليها العزيز الرحيم فلينظر إلى رسولنا الكريم، فلقد كان تنزيله هو عين إرساله رحمةً خالصةً للمؤمنين ورحمة عامة للعالمين، فمن اتَّبعه فاز بالرحمة الخالصة وكان من المنادين بقوله {سلامٌ قولاً مِن ربٍّ رحيمٍ}، أما من كفروا به ممن حقَّ القول عليهم فلهم العذاب والخزي العظيم .
ولما كان هذا المثنى من أسماء التنزيل أي تفصيل الأمر المجمل، كانت حقائق الأنبياء والمرسلين وكل عباد الله الصالحين من تفاصيل كمال الحقيقة المحمدية ومن مظاهرها، ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المظهر الأعظم للمثني العزيز الرحيم ومن تنزلاته، قال تعالى: {يَس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، وذلك لا يعني أبداً تأليهاً له فهو العبد المخلص لله تعالى، بل يعني كما سبق القول أن السمة الإلهية لا سبيل إلى إدراك كنهها أو الإحاطة بها، وإنما يدرك شيء من مقتضياتها ومظاهرها وآثارها، فلولا تلك المظاهر لما كان ثمة سبيل للتعرف عليها أصلاً، ولما أمكن لمخلوق معرفة شيء عن كمالات ربه، وبالتالي لما أمكن لمخلوق أن يعبده، ولذا فما من مخلوق إلا وهو مظهر من مظاهر سمات الله تعالى لأن تلك السمات هي التي اقتضت وجوده وما ترتب عليه من كمالات أصلاً، فكل مخلوق هو مظهر من مظاهر السمة الإلهية والاسم الذي يشير إليها والذي هو علم عليها، أما عباد الله المخلصون فهم مظاهر بيِّنة للأسماء العظمى والحسنى، ولذا فهُمْ أفضل من يهدون الناس إلى الصراط المستقيم والذي يقود الناس إلى المعرفة الحقة بربهم الكريم.
لكل ما سبق فإن من لوازم إيتائه صلى الله عليه وسلم هذا المثنى أن كان الأنبياء والمرسلون وكل عباد الله الصالحين من تفاصيل كماله ومظاهره.
ولقد بين الله تعالى في سورة الشعراء لرسوله صلى الله عليه وسلم أن السنن اقتضت دائماً ألاّ يؤمن أكثر الناس وأن الرسل السابقين قد عانوا من عناد الكفار ولكن كانت لهم الغلبة دائماً في النهاية، ولذا جاءت الآيتان : { إنَّ في ذَلكَ لآيةً وما كانَ أَكْثَرُهُم مُؤمِنين * وإنَّ ربَّكَ لَهُوَ العَزيزُ الرَّحيمُ } ختاماً للآيات التي تسرد قصة كل نبي مع قومه، وذلك يبين كيف كان هلاك من كذَّب ونجاة من آمن آية من آيات العزيز الرحيم، ذلك لأن التعامل مع الناس الذين اقتضت السنن أن يضل أكثرهم ويؤمن القليل منهم عندما يتلقون الرسالة يقتضي أن يكون الاسم المتولي أمورهم مشيراً إلى سمة واحدة تفصيلها العزة المقترنة بالرحمة، فالذين كفروا يعاملون بالعزة والجبروت والسطوة، والذين آمنوا يعاملون بالرحمة الخالصة الخاصة، أما لماذا قال تعالى بعد سرد كل قصة (وإنَّ ربَّك لهُو العزيزُ الرحيمُ) ولم يقل مثلاً وإن الله لهو العزيز الرحيم، فذلك لبيان أن ذلك المثنى من المثاني التي أوتيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم الجامع لفضائل ومكارم وأخلاق وعلوم وكمالات الأنبياء السابقين، فهم جميعاً من تفاصيل كماله ومن مظاهره.
ويلاحظ أنه بعد الحديث عن قومه صلى الله عليه وسلم في أول السورة قال تعالى: { أولمْ يَروْا إلى الأرْضِ كَمْ أَنْبتْنَا فِيها مِن كلِّ زوْجٍ كَريمٍ }، ثم ختم الحديث عن قومه بالآيتين المذكورتين، ولذا فقد اعتبرت تلك السنة الكونية المألوفة آية مكافئة لهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين والذي كان يتم دائماً بمعجزة كبرى كشقِّ البحر لموسى عليه السلام وإطباقه على فرعون وجيشه، أما كان ذلك كافياً لحث المؤمنين على الاهتمام بالسنن الكونية والبحث فيها وتفهُّمها؟
كذلك يلاحظ أنه لم تختتم قصة إبراهيم عليه السلام بهذا المثنى وإنما انتقلت الآيات لتعالج أمور الدار الآخرة، ثم ختمت بالآيتين المذكورتين، واعتبر ذكر الدار الآخرة وما فيها آية للرسول صلى الله عليه وسلم إذ لم يأت رسول من قبل بمثل هذا التفصيل والبيان والعرض الحيّ لوقائع اليوم العظيم .
ولما كان هذا المثنى من أخصِّ المثاني بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلقد أُمر بأن يكل أُموره إليه، فهو الذي يتولاه مذ كان حقيقة علوية ونوراً حيَّاً، ولقد كان يتولاه أثناء بعثته وأثناء قيامه بأعباء رسالته، وهو الآن يتولاه أثناء قيامه بواجبات الشهادة على الأمم وعلى شهداء الأمم.
فمن مظاهر هذا المثنى إذاً هلاك من عانده وكفر به ونجاة من اتبعه وآمن به .
ويلاحَظ أن آيات مقدمة سورة ( يس ) حتى الآية الحادية عشر تشرح مقتضيات الاسم العزيز الرحيم، وهذا الاسم من الأسماء الناصرة للمؤمنين سواء في تلك الدار أو في الدار الآخرة ، قال تعالى :
{ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ } ( الروم : 4 – 5 )، وقال: { إِنّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * إِلاّ مَن رّحِمَ اللّهُ إِنّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ } ( الدخان : 40 – 42 ).
ولذا فليتشبث بهذا الاسم من أراد النصر في الدارين، ولما كان هذا المثنى ضامناً لنصر المؤمنين ، كان هو المثنى المتولي أمور المرسلين ولذا كان لهم النصر المبين، وخاصة في يوم الدين.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الشعراء9 * {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }الشعراء217 * {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ- بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الروم4-5 * {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }يس5 * {إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الدخان42
فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هذا الاسم من أسماء منظومة العزة، ومنها الأسماء: العزيز الرحيم، العزيز العليم، العزيز الحكيم، العزيز الحميد، العزيز الغفار، العزيز الغفور، العزيز الوهاب، العزيز المقتدر، القوي العزيز، الملك القدوس العزيز الحكيم، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، رب العزة، العزيز.
والعزة سمة محكمة تفصيلها المنعة والرفعة والغلبة والندرة والقهر والقوة, وهذا يعني علوه سبحانه على قدرات وإمكانات الحواس والملكات الظاهرة والباطنة، فلا مثل له ولا كفؤ له، ولا يمكن لأحد أن يعرف ذاته ولا أسماءه على ما هي عليه, ولا يمكن أن تدركه الأبصار أو البصائر أو الأفكار أو الخواطر, وهذا يعني أيضا أن له القوة والقهر فوق عباده فله الغلبة المطلقة والبطش الشديد فهو الغالب على أمره.
وها الاسم يشير إلى سمة واحدة تفصيلها العزة المقترنة بالرحمة مع تقدم العزة، وذلك بمعنى أم ممارسة مقتضيات العزة تفضي إلى الرحمة، فمن كان عزيزاً غالباً علي أمره لا يعامل من هم من دونه كأنداد له، وهو إن بطش بهم لكفرهم وفسوقهم وتماديهم في التمرد والإفساد والظلم فإن بطشه يكون ممتزجاً بالرحمة ومؤد إلى تحقيق مقتضياتها.
والاسم العزيز الرحيم من الأسماء التي يجب التوكل عليها مثله مثل الاسم "الله" والاسم "العزيز الحكيم" والاسم "السميع العليم"، وهذا التوكل هو ركن فرعي لأركان عديدة جوهرية من أركان الدين.
ولقد أوتي الرسول صلى الله عليه وسلم المثني العزيز الرحيم، قال تعالى: {وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ} (الشعراء: 9)، وهذا المثنى من أخصِّ المثاني وألزمها بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخصّها به، ولذلك تكرر تسع مرات في السورة التي كانت من مقتضيات إظهار حنان الله تعالى وحبه لرسوله صلى الله عليه وسلم وهي سورة الشعراء، وهذا المثني من أسماء منظومة النصر فلابد من انتصار من كان له، فمن مظاهر هذا المثنى إذاً هلاك من عاند الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر به ونجاة وانتصار من اتبعه وآمن به.
والرسول صلى الله عليه وسلم من مظاهر الاسم العزيز الرحيم قال تعالى: {يَس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ}، ويلاحظ أن الآية تنطبق على القرآن الحكيم كما تنطبق على الرسول الكريم، فالاسم العزيز الرحيم من أسماء تنزيل القرآن، كما أنه بالرسول صلى الله عليه وسلم ظهر المعنى الذي يشير إليه ذلك المثنى فمن أراد مثلاً حيَّـاً ظاهراً للسمة التي يشير إليها العزيز الرحيم فلينظر إلى رسولنا الكريم، فلقد كان تنزيله هو عين إرساله رحمةً خالصةً للمؤمنين ورحمة عامة للعالمين، فمن اتَّبعه فاز بالرحمة الخالصة وكان من المنادين بقوله {سلامٌ قولاً مِن ربٍّ رحيمٍ}، أما من كفروا به ممن حقَّ القول عليهم فلهم العذاب والخزي العظيم .
ولما كان هذا المثنى من أسماء التنزيل أي تفصيل الأمر المجمل، كانت حقائق الأنبياء والمرسلين وكل عباد الله الصالحين من تفاصيل كمال الحقيقة المحمدية ومن مظاهرها، ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المظهر الأعظم للمثني العزيز الرحيم ومن تنزلاته، قال تعالى: {يَس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، وذلك لا يعني أبداً تأليهاً له فهو العبد المخلص لله تعالى، بل يعني كما سبق القول أن السمة الإلهية لا سبيل إلى إدراك كنهها أو الإحاطة بها، وإنما يدرك شيء من مقتضياتها ومظاهرها وآثارها، فلولا تلك المظاهر لما كان ثمة سبيل للتعرف عليها أصلاً، ولما أمكن لمخلوق معرفة شيء عن كمالات ربه، وبالتالي لما أمكن لمخلوق أن يعبده، ولذا فما من مخلوق إلا وهو مظهر من مظاهر سمات الله تعالى لأن تلك السمات هي التي اقتضت وجوده وما ترتب عليه من كمالات أصلاً، فكل مخلوق هو مظهر من مظاهر السمة الإلهية والاسم الذي يشير إليها والذي هو علم عليها، أما عباد الله المخلصون فهم مظاهر بيِّنة للأسماء العظمى والحسنى، ولذا فهُمْ أفضل من يهدون الناس إلى الصراط المستقيم والذي يقود الناس إلى المعرفة الحقة بربهم الكريم.
لكل ما سبق فإن من لوازم إيتائه صلى الله عليه وسلم هذا المثنى أن كان الأنبياء والمرسلون وكل عباد الله الصالحين من تفاصيل كماله ومظاهره.
ولقد بين الله تعالى في سورة الشعراء لرسوله صلى الله عليه وسلم أن السنن اقتضت دائماً ألاّ يؤمن أكثر الناس وأن الرسل السابقين قد عانوا من عناد الكفار ولكن كانت لهم الغلبة دائماً في النهاية، ولذا جاءت الآيتان : { إنَّ في ذَلكَ لآيةً وما كانَ أَكْثَرُهُم مُؤمِنين * وإنَّ ربَّكَ لَهُوَ العَزيزُ الرَّحيمُ } ختاماً للآيات التي تسرد قصة كل نبي مع قومه، وذلك يبين كيف كان هلاك من كذَّب ونجاة من آمن آية من آيات العزيز الرحيم، ذلك لأن التعامل مع الناس الذين اقتضت السنن أن يضل أكثرهم ويؤمن القليل منهم عندما يتلقون الرسالة يقتضي أن يكون الاسم المتولي أمورهم مشيراً إلى سمة واحدة تفصيلها العزة المقترنة بالرحمة، فالذين كفروا يعاملون بالعزة والجبروت والسطوة، والذين آمنوا يعاملون بالرحمة الخالصة الخاصة، أما لماذا قال تعالى بعد سرد كل قصة (وإنَّ ربَّك لهُو العزيزُ الرحيمُ) ولم يقل مثلاً وإن الله لهو العزيز الرحيم، فذلك لبيان أن ذلك المثنى من المثاني التي أوتيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم الجامع لفضائل ومكارم وأخلاق وعلوم وكمالات الأنبياء السابقين، فهم جميعاً من تفاصيل كماله ومن مظاهره.
ويلاحظ أنه بعد الحديث عن قومه صلى الله عليه وسلم في أول السورة قال تعالى: { أولمْ يَروْا إلى الأرْضِ كَمْ أَنْبتْنَا فِيها مِن كلِّ زوْجٍ كَريمٍ }، ثم ختم الحديث عن قومه بالآيتين المذكورتين، ولذا فقد اعتبرت تلك السنة الكونية المألوفة آية مكافئة لهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين والذي كان يتم دائماً بمعجزة كبرى كشقِّ البحر لموسى عليه السلام وإطباقه على فرعون وجيشه، أما كان ذلك كافياً لحث المؤمنين على الاهتمام بالسنن الكونية والبحث فيها وتفهُّمها؟
كذلك يلاحظ أنه لم تختتم قصة إبراهيم عليه السلام بهذا المثنى وإنما انتقلت الآيات لتعالج أمور الدار الآخرة، ثم ختمت بالآيتين المذكورتين، واعتبر ذكر الدار الآخرة وما فيها آية للرسول صلى الله عليه وسلم إذ لم يأت رسول من قبل بمثل هذا التفصيل والبيان والعرض الحيّ لوقائع اليوم العظيم .
ولما كان هذا المثنى من أخصِّ المثاني بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلقد أُمر بأن يكل أُموره إليه، فهو الذي يتولاه مذ كان حقيقة علوية ونوراً حيَّاً، ولقد كان يتولاه أثناء بعثته وأثناء قيامه بأعباء رسالته، وهو الآن يتولاه أثناء قيامه بواجبات الشهادة على الأمم وعلى شهداء الأمم.
فمن مظاهر هذا المثنى إذاً هلاك من عانده وكفر به ونجاة من اتبعه وآمن به .
ويلاحَظ أن آيات مقدمة سورة ( يس ) حتى الآية الحادية عشر تشرح مقتضيات الاسم العزيز الرحيم، وهذا الاسم من الأسماء الناصرة للمؤمنين سواء في تلك الدار أو في الدار الآخرة ، قال تعالى :
{ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ } ( الروم : 4 – 5 )، وقال: { إِنّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * إِلاّ مَن رّحِمَ اللّهُ إِنّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ } ( الدخان : 40 – 42 ).
ولذا فليتشبث بهذا الاسم من أراد النصر في الدارين، ولما كان هذا المثنى ضامناً لنصر المؤمنين ، كان هو المثنى المتولي أمور المرسلين ولذا كان لهم النصر المبين، وخاصة في يوم الدين.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.