من أسماء الله الحسنى: المثنى السميع العليم والاسم المفرد السميع
السميــع العليــم
قال تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنفال61 * {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }يوسف34 * {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الشعراء220 * {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }فصلت36 * {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الدخان6 * {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة137 * {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }المائدة76 * {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام13 * {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام115 * {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنبياء4 * {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }العنكبوت5 * {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }العنكبوت60 * {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }يونس65 * {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة127 * {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }آل عمران35 * {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال42 * {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة181 * {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53 * {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة244 * {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال17 * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الحجرات1 * {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأعراف200 * {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة224 * {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256 * {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103 * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }النور21 * {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }النساء148
هذا المثني من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء منظومة سمة العلم ومن أسماء منظومة سمة السمع، وهو يشير إلى سمة محكمة تفصيلها العلم المقترن بالسمع، فهي تلك السمة التي يكون بها سماع الأمر هو عين تعلق العلم به فيكون الأمر المعلوم هو عين المسموع وحقيقته بلا حاجة إلى تقليب نظر أو إعمال ملكات، وهذا الاسم من تجلياته الاسم المجيب فهو يشير إلى السمة التي يدرك بها ما يريده عبده منه ويحققه له، وهذا الاسم من الأسماء الرئيسة التي اقتضت الملكات القلبية الذهنية في الإنسان مثل ملكات الفقه والفهم وإبداء الاستجابة الملائمة، ومن تجلياته الاسم السميع فهو الذي اقتضى لدى الإنسان الاستجابة ورد الفعل (Response and Reaction).
وهذا المثني له الأشياء من حيث هي كيانات لطيفة أو حقائق أو ماهيات أي من حيث هي كلمات أو كيانات أمرية، أي أن مجال عمله الرئيس هو عالم الأمر، لذلك فله الكلمات وله الأمر وهو يدرك القول ويسمع الدعاء من حيث هو كيان لطيف ويحققه ويزكى الأنفس بإكسابها ما استعدت له من كمالات.
فالمثنى السميع العليم يشير إلى سمة واحدة بها بكون سماع الأمر هو عين إدراكه على ما هو عليه والإحاطة به من كافَّة جوانبه، ولذلك فإنه سبحانه ليس بحاجة إلى إمعان نظر أو إعمال فكر أو إلى تحليل أو تدبير، ذلك لأن له الإدراك الإحاطيّ التام للأمر، فهو الذي قدر الأشياء وأبرزها من عدم إلى وجود وإليه مرجعها ومآلها كما أنه هو العليم بالقوانين التي تسيِّر الأمور لأنها مقتضيات أسمائه، ولذا فله الإحاطة بكل الدوائر الكونية فكل شيء ماثل عنده.
والعلم سمة أو ملكة يتميز بها الكائن الحي وكذلك السمع، وبالنسبة إلي الكائنات ذات البنيان المادي فإن السمة أو الملكة مثل العلم أو السمع تستلزم كيانا أو جهازاً ماديا يكون أداة لالتقاط ما يلائم تلك الملكة أي ما يشكل مجال إعمالها، والإنسان إذا كانت حاسته وجهازها سليمين فإنه يسمع القول من المتكلم بعد صدوره عنه بالضرورة، وسمعه يتعلق بالقول من حيث أنه تحول إلى كيان مادي في الوسط الناقل بينه وبين المتكلم المتسبب في وجود هذا الكيان، أما العلم فهو ملكة أعظم إحاطة من السمع؛ فبالإضافة إلى تعلقه بالصورة الإجمالية لشخص المتكلم فإنه يتعلق أيضا بمعاني الأقوال المسموعة، ويزداد بذلك مجال تلك السمة اتساعا.
أما بالنسبة إلى الحق سبحانه فإن كلا من العلم والسمع سمة من سماته الذاتية، فهو ليس بحاجة إلى جهاز معين ليلتقط المسموعات والمعلومات، وهو إذ يسمع فإنه يسمع الأصوات ويدرك أيضا الكيانات الأمرية التي تعبر عنها تلك الأصوات وهى المعاني، فالسمع بالنسبة إليه يفصل إلى السمع والفهم والفقه وإبداء الاستجابة بالنسبة إلى غيره.
وكذلك لعلمه الإحاطة التامة بكل شيء، فهو سبحانه خالق كل شيء، وكانت منظومة العلم التي تتضمن أسماءه المشيرة إلى سمة العلم من المنظومات التي خلق بها كل شيء وقدره تقديرا، فعلمه محيط بالأشياء وسارٍ في الأشياء، وما من كائن إلا ولديه كافة الاحتمالات الممكنة لفعله، ولكن مجالات علمه أي معلوماته تختلف من حيث المرتبة، فله من حيث كل اسم علم كما أن له من حيث كل كون علم، أما الخلق فهم أيضا آلاته لتحصيل ما شاء من معلومات جزئية تفصيلية، ولا يعني ذلك حاجته إليهم، فإنه سبحانه لا يحتاج إلي ما خلقه وما هو عنده، فهو سبحانه يحيط بكل أمر من كافة زواياه وجوانبه، والحق سبحانه منزه عن تصورات ومفاهيم مخلوقاته كما هو منزه عن لوازم نقصهم الذاتي فهو لا يجوع مثلا، ولكنه يعلم كل ما يعانيه الإنسان الجائع من حيث أن كل مشاعر هذا وأذواقه وأحاسيسه ماثلة عنده، وهو إذ يخاطب عباده المقيدين بمفاهيمهم وتصوراتهم وزمانهم ومكانهم ولغاتهم فلا بد من أن يتنزل إليهم وأن يستعمل ما هو مألوف لديهم، لذلك كان لابد من إرسال الرسل من الملائكة والبشر وكان لابد أن يخاطبهم من حيث هؤلاء الرسل.
فوظائف هذا المثني ومقتضياته شديدة الاتساع والتنوع، فهذا المثني هو الذي يدرك ما احتوته المسموعات من علوم دون حاجة إلى قدح ذهن أو تفكير أو إعمال ملكات، وهو من منظومة أسماء الهدي والرحمة والتشريع وهو يقتضي كثيراً من السنن الكونية وإليه تستند الوقائع اليومية والجزئية وبالاعتصام به يمكن للإنسان أن يدرأ عن نفسه كيد الشيطان ونزغه.
ومظاهر ذلك الاسم في الإنسان قواه التي بها يدرك ويفكر ويجرد ويحلِّل ويركِّب أو يؤلف (To Synthesize) ويفهم، في حين أن مظاهر الاسم السميع البصير في الإنسان هي حواسه التي يدرك بها الأشياء كذوات موجودة .
وهذا المثنى من أكثر المثاني وروداً في القرآن (ورد حوالى ثلاثين مرة)، وذلك للتنوُّع الشديد لدلالاته ووظائفه والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1 – هو الذي يتقبل أعمال العباد الصالحة، ولذا قال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أثناء رفعهما القواعد من البيت: {رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّآ إِنّكَ أَنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة : 127).
2 – يراقب أعمال العباد ومقاصدهم دون حاجة إلى إمعان نظر أو أي تدبر فكل الأشياء والماهيَّات والقوانين والسنن والدوافع والمقاصد والنوايا والمعادلات الوجودية ماثلة عنده.
3 – يدبِّر الأحداث والوقائع اليومية ويراقبها.
4 – يجيب دعاء السائل بمعنى تحقيق مراده إذا اقتضت ذلك قوانينه وسننه، أي إذا وفَّى السائل بالقوانين التي يترتَّب عليها إجابة الدعاء، وأهمها السعي الدؤوب والعزم الشديد والهمة النافذة والاعتماد علي حول الله تعالى وقوته وتفويض الأمر إليه.
5 – يسنُّ أموراً تشريعية متعلقة بالمعاملات والصدقات والأخلاق.
6 – يتولى إرسال الرسل رحمة للعالمين.
7 – يسن تشريعات متعلقة بالأدب مع الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
8 – إليه يستند مبدأ الحرية الدينية ، فهو يريد من عباده أن يأتوه طوعاً لا كرهاً.
9 – إليه يستند تشريع القتال في سبيل الله تعالى ومراقبة الالتزام به.
10 – من الأسماء التي تتولَّي أمر الأرزاق، قال تعالى: { وَكَأَيّن مّن دَآبّةٍ لاّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيّاكُمْ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } ( العنكبوت : 60 ).
11 – إليه تستند القوانين والسنن المتعلقة بالجماعات والأقوام والأمم، وذلك لأنه ما إن تنشأ جماعة أو قوم يرتبطون ببعضهم البعض إلا وينشأ بإزائهم كتاب هو حافظ لأعمالهم وأقوالهم، فبالنظر إلى هذا الكتاب وبالرجوع إلى القوانين الإلهية والكونية يُقْضَى في أمرهم، وذلك القضاء يكون له في معظم الأحيان السيادة على الأقضية الفردية المتعلقة بكل فرد على حدة، فيكون بمثابة القضاء النافذ الذي لا مفر منه ولا محيص عنه، ولذا قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىَ قَوْمٍ حَتّىَ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( الأنفال : 53 )، وقال: { وَلَـَكِن لّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَىَ مَنْ حَيّ عَن بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( الأنفال : 42 )، فبالنظر إلى أعمال قريش من بغي وظلم وإصرار على الشك والكبر والخيلاء والغرور واضطهاد المؤمنين وإخراجهم من ديارهم، وبالرجوع إلى القوانين والسنن كان لابد لهم من أن يهزموا هزيمة منكرة مدوية موجعة شديدة الوطأة عليهم ولتقطع طرفاً منهم، وبالنظر إلى صدق إيمان المسلمين وصدق عهدهم مع ربهم واتباعهم لرسولهم وصبرهم وعزمهم على الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا وإعدادهم لذلك ما استطاعوا من قوة، وبالرجوع إلى القوانين والسنن المتعلقة بكيفية استحقاق النصر كان لابد للمؤمنين من أن ينتصروا، ولذا فانتصار المؤمنين وهزيمة المشركين كان أمراً مقدراً مقضياً، وسيق الفريقان إلى الميدان ليتحقق الأمر ويهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بيّنة وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً .
12 – هو يعلم القول من حيث ذلك الاسم فيكون عين سماعه القول هو عين إدراك كل ما يتعلق به أو يحمله من معان ومن معلومات قال تعالى }قالَ ربِّي يَعلمُ القَولَ في السَّماءِ والأرضِ وهو السميعُ العليمُ { ( الأنبياء :4 )، أما إدراك القول من حيث أن له كيان؛ أي من حيث مادته الحاملة فهو من مقتضيات الاسم السميع البصير.
13 – هو الذي يتولى تزكية الأنفس بمقتضى القوانين والسنن قال تعالى: { وَلـَكِنّ اللّهَ يُزَكّي مَن يَشَآءُ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( النور: 21 )، ولذا كان إرسال الأنبياء من حيث ذلك الاسم (ومن حيث الاسم العزيز الحكيم أيضاً)، لأنهم هم وورثتهم هم الآلات التي يزكِّي بها الله تعالى من يشاء من عباده.
14 – كما أنه سبحانه حريص على أن يأتيه الناس طوعاً لا كرهاً فهو حريص أيضاً على السلم وحقن الدماء، وحريص على ألا يعيش الناس أعداء يتربَّص بعضهم بالبعض، ولذا فقد أمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنوح للسلم لدى أي بادرة تلوح ممن يعتدون على المؤمنين، قال تعالى: }وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{( الأنفال :61)، كذلك فإنه أخبر عباده أن القتال لا يكون إلا لكف بأس الذين كفروا لا لإبادتهم، وأخبرهم بشروط القتال قال تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } ( البقرة : 190 )، فالمعتدي لا يستطيع أن يزعم أنه يقاتل في سبيل الله بل هو غير محبوب منه، ذلك لأنه لا يمكن التقرب إلى الله تعالى بفعل ما لا يحبه أو بالإعراض عن أوامره.
15 – إن التعلق بهذا الاسم والتوجه إليه يكُفُّ عن الإنسان بأس المشركين.
16 – إليه يستند تقدير الآجال وتحقيقها .
17 –هذا الاسم من الأسماء التي اقتضت أنشطة الإنسان الذهنية.
18 –هذا الاسم هو الذي ينبغي أن يستعيذ به الإنسان من نزغ الشيطان، قال تعالى: }وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ (فصلت: 36)، ذلك لأن الإنسان لا يرى ذات الشيطان، وإنما يتأثر بنزغه ووسوسته وكلها تمس أنشطته الذهنية والقلبية، ولذا وجب الاستعاذة بالاسم الذي يقتضي تلك الأنشطة والذي به يطلع الرحمن على وسوسة الشيطان.
ويقتضي هذا الاسم من الإنسان أن يلجأ إلى ربه داعياً إياه أن يتقبل عمله وأن يجيب دعاءه، وكذلك أن يوطِّن نفسه على احترام ما شرعه وما سنَّه من قوانين، وأن يحترم الإرادة الحرة لكل إنسان، وعليه أيضاً أن لا يحمل همَّاً لما تكفَّل الله تعالى به كالرزق مثلاً، فيثق في وعد الله تعالى، ولكن عليه أن يبذل طاقته ووسعه، كما عليه أن يأخذ بكل الأسباب التي تؤدي إلى تزكية نفسه، كذلك عليه أن يتعرف على قوانين التاريخ التي هي السنن، وأن يستفيد منها فإن الأمم تعلو وترقى بقدر إلمامها بتلك السنن والاستفادة منها، كذلك عليه أن يتأسَّي بالرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والمثنى السميع العليم من المثاني الذي أوتيها الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذا أُرسل رحمة من ربه للعالمين، وتمت به كلمة الله صدقاً وعدلاً، وكان مجاب الدعوة، وكان مجيئه رسولاً إجابة لدعوة أبويه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكفاه الله كيد المشركين من قريش ومن أهل الكتاب، وأوتي جوامع الكلم، وكان عين سماعه الأمر عين إدراكه له، فكان يحفظ القرآن ويدرك معانيه ومقاصده بمجرد سماعه، وكانت له العزة والكلمة النافذة، وأتى بالدين التام الكامل، وقاتل المشركين وانتصر عليهم، وكان مربياً ومزكياً للنفوس، وكان الأسوة الحسنة في احترام الجناب الإلهي وتعظيمه والتوكل عليه، وكان يدرك مقاصد الناس ودوافعهم ونواياهم بمجرد سماع كلامهم، وكان يجنح للسلم دائماً إذا ما عرض عليه، كما لم يرغم أحداً على ترك دينه بل دعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدال بالتي هي أحسن.
وهذ الاسم يقتضي من الإنسان تنمية ملكات الفهم والفقه والفكر، الاستجابة السريعة الملائمة، حسن تقدير الظروف، الرحمة، المثابرة واتقان العمل وإتمامه، القيام بالواجبات تجاه الأمة، احترام التشريعات الدينية والالتزام بها.
الاسم المفرد السميع
قال تعالى:
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء }آل عمران38
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء }إبراهيم39
فهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى
من حيث أنه سبحانه يتكلم فإنه يسمع كلام ذاته، والكلام هو فعل من أفعاله، وهو أيضاً ما ينتج عن ممارسته لهذا الفعل، لذلك ليس كمثل كلامه كلام، فكلامه هو الحقائق والماهيات والقوانين والسنن والآيات، وهو يسمع كلام مخلوقاته بذاته ومن حيث اسمه السميع ومن حيث كل ما هو له من آلات وأدوات من مخلوقاته، وهذا الاسم يدرك ما ينتج عن المخلوقات من أصوات من حيث هي كيانات أمرية معبرة عن معانٍ، أما إدراكها ككيانات خلقية حاملة لكيانات أمرية فهو للمثني السميع البصير، والحقائق الإنسانية كالسمع والفهم لابد من أن تستند إلى حقيقة إلهية هي السمع المنسوب إلى الحق سبحانه، فلابد من أن تستند كل حقيقة كونية إلى حقيقة إلهية بحيث تكون الحقيقة الكونية من وسائل إظهار وتفصيل الحقيقة الإلهية، ولكن إذا كان السمع الإنساني يستلزم جهازا سمعيا ومخا وغير ذلك لتحويل أثر الموجة الحاملة للكلام إلى معانٍ مدركة للإنسان فإن السمع الإلهي منزه عن الحاجة إلى أجهزة، والإنسان يسمع أي يدرك بأجهزة خلقها له غيره، أما الحق سبحانه فإنه يسمع بذاته وبكل ما خلق من مخلوقاته من حيث أنهم آلاته ومن حيث أنه وارث كل ما تحصله مداركهم.
فسمة السمع من سمات ذاته والاسم السميع هو من منظومة الأسماء الحسنى التي اقتضت تأليف حقائق مخلوقاته فآثارها سارية في كل هذا الكون فلا بد لكل كيان من نصيب منها حتى يستطيع إبداء الاستجابة الملائمة لكل ما يحيط به من ظروف وإطارات، وهو من الأسماء التي اقتضت ملكات الإنسان التي تستجيب للمؤثرات الخارجية ومنها الملكات الذهنية كالفهم والفقه.
فالسميع مثله مثل المثني السميع العليم هو الذي يدرك الأقوال والكيانات الأمرية، وهو لا يشغله قول عن قول، وهذا الاسم يشير إلى السمة التي اقتضت الفهم والفقه والإدراك عند الناس.
والاسم السميع قد ورد مفرداً في آيتين هما : { رَبّ هَبْ لِي مِن لّدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَآءِ} (آل عمران: 38) و{ الْحَمْدُ للّهِ الّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّي لَسَمِيعُ الدّعَآءِ } ( إبراهيم: 39)، وهكذا جاء الاسم دائما مضافا إلى الدعاء وفي كلتا الآيتين فإن الأمر المطلوب بالدعاء قد تحقق، ولذا فالاسم السميع هو بالأصالة الاسم الذي يجيب الدعاء بمعني أنه يقضى حاجة الداعي ويحققها له، ولذا فهذا الاسم يعنى أيضاً أنه المجيب، أما إدراك المسموعات فهو بالأصالة من حيث المثني السميع البصير وأفعاله ووظائفه، فالسميع اسم الذات من حيث إجابته لدعاء الكائنات وترتيب الأفعال علي أفعالهم الاختيارية، ولذا فهو من تفاصيل الاسم السميع العليم وتجلياته.
ويقتضي هذا الاسم من الإنسان أن يلبِّى حاجات السائلين وأن يقضيها طالما كان ذلك في استطاعته، وطالما كان ذلك ابتغاء مرضاة الله والتزاما بقوانينه وشرعه وكذلك عليه ألا يتجاهل أحدا من الناس بل عليه أن يتأدب بالإصغاء إلى كل من خاطبه وعليه إبداء القدر الكافي من الاهتمام بكل من طلب منه رأياً أو نصحاً أو مشورة.
والرمز يشير إلي سريان أمر من مصدر غيبي إلي الكائن المتسم بالسمة، لذلك فتلك السمة إنما تتعلق بالمعني الذي هو في باطن المتكلم وليس بالكيان الخلقي الحامل له أو الناقل له، ولذلك فالحق سبحانه يجيب ما يريده السائل من حيث كيانه الباطني الأعمق لا من حيث ما يجري علي لسانه.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
11- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
السميــع العليــم
قال تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنفال61 * {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }يوسف34 * {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الشعراء220 * {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }فصلت36 * {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الدخان6 * {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة137 * {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }المائدة76 * {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام13 * {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام115 * {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنبياء4 * {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }العنكبوت5 * {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }العنكبوت60 * {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }يونس65 * {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة127 * {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }آل عمران35 * {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال42 * {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة181 * {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53 * {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة244 * {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال17 * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الحجرات1 * {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأعراف200 * {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة224 * {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256 * {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103 * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }النور21 * {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }النساء148
هذا المثني من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء منظومة سمة العلم ومن أسماء منظومة سمة السمع، وهو يشير إلى سمة محكمة تفصيلها العلم المقترن بالسمع، فهي تلك السمة التي يكون بها سماع الأمر هو عين تعلق العلم به فيكون الأمر المعلوم هو عين المسموع وحقيقته بلا حاجة إلى تقليب نظر أو إعمال ملكات، وهذا الاسم من تجلياته الاسم المجيب فهو يشير إلى السمة التي يدرك بها ما يريده عبده منه ويحققه له، وهذا الاسم من الأسماء الرئيسة التي اقتضت الملكات القلبية الذهنية في الإنسان مثل ملكات الفقه والفهم وإبداء الاستجابة الملائمة، ومن تجلياته الاسم السميع فهو الذي اقتضى لدى الإنسان الاستجابة ورد الفعل (Response and Reaction).
وهذا المثني له الأشياء من حيث هي كيانات لطيفة أو حقائق أو ماهيات أي من حيث هي كلمات أو كيانات أمرية، أي أن مجال عمله الرئيس هو عالم الأمر، لذلك فله الكلمات وله الأمر وهو يدرك القول ويسمع الدعاء من حيث هو كيان لطيف ويحققه ويزكى الأنفس بإكسابها ما استعدت له من كمالات.
فالمثنى السميع العليم يشير إلى سمة واحدة بها بكون سماع الأمر هو عين إدراكه على ما هو عليه والإحاطة به من كافَّة جوانبه، ولذلك فإنه سبحانه ليس بحاجة إلى إمعان نظر أو إعمال فكر أو إلى تحليل أو تدبير، ذلك لأن له الإدراك الإحاطيّ التام للأمر، فهو الذي قدر الأشياء وأبرزها من عدم إلى وجود وإليه مرجعها ومآلها كما أنه هو العليم بالقوانين التي تسيِّر الأمور لأنها مقتضيات أسمائه، ولذا فله الإحاطة بكل الدوائر الكونية فكل شيء ماثل عنده.
والعلم سمة أو ملكة يتميز بها الكائن الحي وكذلك السمع، وبالنسبة إلي الكائنات ذات البنيان المادي فإن السمة أو الملكة مثل العلم أو السمع تستلزم كيانا أو جهازاً ماديا يكون أداة لالتقاط ما يلائم تلك الملكة أي ما يشكل مجال إعمالها، والإنسان إذا كانت حاسته وجهازها سليمين فإنه يسمع القول من المتكلم بعد صدوره عنه بالضرورة، وسمعه يتعلق بالقول من حيث أنه تحول إلى كيان مادي في الوسط الناقل بينه وبين المتكلم المتسبب في وجود هذا الكيان، أما العلم فهو ملكة أعظم إحاطة من السمع؛ فبالإضافة إلى تعلقه بالصورة الإجمالية لشخص المتكلم فإنه يتعلق أيضا بمعاني الأقوال المسموعة، ويزداد بذلك مجال تلك السمة اتساعا.
أما بالنسبة إلى الحق سبحانه فإن كلا من العلم والسمع سمة من سماته الذاتية، فهو ليس بحاجة إلى جهاز معين ليلتقط المسموعات والمعلومات، وهو إذ يسمع فإنه يسمع الأصوات ويدرك أيضا الكيانات الأمرية التي تعبر عنها تلك الأصوات وهى المعاني، فالسمع بالنسبة إليه يفصل إلى السمع والفهم والفقه وإبداء الاستجابة بالنسبة إلى غيره.
وكذلك لعلمه الإحاطة التامة بكل شيء، فهو سبحانه خالق كل شيء، وكانت منظومة العلم التي تتضمن أسماءه المشيرة إلى سمة العلم من المنظومات التي خلق بها كل شيء وقدره تقديرا، فعلمه محيط بالأشياء وسارٍ في الأشياء، وما من كائن إلا ولديه كافة الاحتمالات الممكنة لفعله، ولكن مجالات علمه أي معلوماته تختلف من حيث المرتبة، فله من حيث كل اسم علم كما أن له من حيث كل كون علم، أما الخلق فهم أيضا آلاته لتحصيل ما شاء من معلومات جزئية تفصيلية، ولا يعني ذلك حاجته إليهم، فإنه سبحانه لا يحتاج إلي ما خلقه وما هو عنده، فهو سبحانه يحيط بكل أمر من كافة زواياه وجوانبه، والحق سبحانه منزه عن تصورات ومفاهيم مخلوقاته كما هو منزه عن لوازم نقصهم الذاتي فهو لا يجوع مثلا، ولكنه يعلم كل ما يعانيه الإنسان الجائع من حيث أن كل مشاعر هذا وأذواقه وأحاسيسه ماثلة عنده، وهو إذ يخاطب عباده المقيدين بمفاهيمهم وتصوراتهم وزمانهم ومكانهم ولغاتهم فلا بد من أن يتنزل إليهم وأن يستعمل ما هو مألوف لديهم، لذلك كان لابد من إرسال الرسل من الملائكة والبشر وكان لابد أن يخاطبهم من حيث هؤلاء الرسل.
فوظائف هذا المثني ومقتضياته شديدة الاتساع والتنوع، فهذا المثني هو الذي يدرك ما احتوته المسموعات من علوم دون حاجة إلى قدح ذهن أو تفكير أو إعمال ملكات، وهو من منظومة أسماء الهدي والرحمة والتشريع وهو يقتضي كثيراً من السنن الكونية وإليه تستند الوقائع اليومية والجزئية وبالاعتصام به يمكن للإنسان أن يدرأ عن نفسه كيد الشيطان ونزغه.
ومظاهر ذلك الاسم في الإنسان قواه التي بها يدرك ويفكر ويجرد ويحلِّل ويركِّب أو يؤلف (To Synthesize) ويفهم، في حين أن مظاهر الاسم السميع البصير في الإنسان هي حواسه التي يدرك بها الأشياء كذوات موجودة .
وهذا المثنى من أكثر المثاني وروداً في القرآن (ورد حوالى ثلاثين مرة)، وذلك للتنوُّع الشديد لدلالاته ووظائفه والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1 – هو الذي يتقبل أعمال العباد الصالحة، ولذا قال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أثناء رفعهما القواعد من البيت: {رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّآ إِنّكَ أَنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة : 127).
2 – يراقب أعمال العباد ومقاصدهم دون حاجة إلى إمعان نظر أو أي تدبر فكل الأشياء والماهيَّات والقوانين والسنن والدوافع والمقاصد والنوايا والمعادلات الوجودية ماثلة عنده.
3 – يدبِّر الأحداث والوقائع اليومية ويراقبها.
4 – يجيب دعاء السائل بمعنى تحقيق مراده إذا اقتضت ذلك قوانينه وسننه، أي إذا وفَّى السائل بالقوانين التي يترتَّب عليها إجابة الدعاء، وأهمها السعي الدؤوب والعزم الشديد والهمة النافذة والاعتماد علي حول الله تعالى وقوته وتفويض الأمر إليه.
5 – يسنُّ أموراً تشريعية متعلقة بالمعاملات والصدقات والأخلاق.
6 – يتولى إرسال الرسل رحمة للعالمين.
7 – يسن تشريعات متعلقة بالأدب مع الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
8 – إليه يستند مبدأ الحرية الدينية ، فهو يريد من عباده أن يأتوه طوعاً لا كرهاً.
9 – إليه يستند تشريع القتال في سبيل الله تعالى ومراقبة الالتزام به.
10 – من الأسماء التي تتولَّي أمر الأرزاق، قال تعالى: { وَكَأَيّن مّن دَآبّةٍ لاّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيّاكُمْ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } ( العنكبوت : 60 ).
11 – إليه تستند القوانين والسنن المتعلقة بالجماعات والأقوام والأمم، وذلك لأنه ما إن تنشأ جماعة أو قوم يرتبطون ببعضهم البعض إلا وينشأ بإزائهم كتاب هو حافظ لأعمالهم وأقوالهم، فبالنظر إلى هذا الكتاب وبالرجوع إلى القوانين الإلهية والكونية يُقْضَى في أمرهم، وذلك القضاء يكون له في معظم الأحيان السيادة على الأقضية الفردية المتعلقة بكل فرد على حدة، فيكون بمثابة القضاء النافذ الذي لا مفر منه ولا محيص عنه، ولذا قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىَ قَوْمٍ حَتّىَ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( الأنفال : 53 )، وقال: { وَلَـَكِن لّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَىَ مَنْ حَيّ عَن بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( الأنفال : 42 )، فبالنظر إلى أعمال قريش من بغي وظلم وإصرار على الشك والكبر والخيلاء والغرور واضطهاد المؤمنين وإخراجهم من ديارهم، وبالرجوع إلى القوانين والسنن كان لابد لهم من أن يهزموا هزيمة منكرة مدوية موجعة شديدة الوطأة عليهم ولتقطع طرفاً منهم، وبالنظر إلى صدق إيمان المسلمين وصدق عهدهم مع ربهم واتباعهم لرسولهم وصبرهم وعزمهم على الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا وإعدادهم لذلك ما استطاعوا من قوة، وبالرجوع إلى القوانين والسنن المتعلقة بكيفية استحقاق النصر كان لابد للمؤمنين من أن ينتصروا، ولذا فانتصار المؤمنين وهزيمة المشركين كان أمراً مقدراً مقضياً، وسيق الفريقان إلى الميدان ليتحقق الأمر ويهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بيّنة وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً .
12 – هو يعلم القول من حيث ذلك الاسم فيكون عين سماعه القول هو عين إدراك كل ما يتعلق به أو يحمله من معان ومن معلومات قال تعالى }قالَ ربِّي يَعلمُ القَولَ في السَّماءِ والأرضِ وهو السميعُ العليمُ { ( الأنبياء :4 )، أما إدراك القول من حيث أن له كيان؛ أي من حيث مادته الحاملة فهو من مقتضيات الاسم السميع البصير.
13 – هو الذي يتولى تزكية الأنفس بمقتضى القوانين والسنن قال تعالى: { وَلـَكِنّ اللّهَ يُزَكّي مَن يَشَآءُ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( النور: 21 )، ولذا كان إرسال الأنبياء من حيث ذلك الاسم (ومن حيث الاسم العزيز الحكيم أيضاً)، لأنهم هم وورثتهم هم الآلات التي يزكِّي بها الله تعالى من يشاء من عباده.
14 – كما أنه سبحانه حريص على أن يأتيه الناس طوعاً لا كرهاً فهو حريص أيضاً على السلم وحقن الدماء، وحريص على ألا يعيش الناس أعداء يتربَّص بعضهم بالبعض، ولذا فقد أمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنوح للسلم لدى أي بادرة تلوح ممن يعتدون على المؤمنين، قال تعالى: }وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{( الأنفال :61)، كذلك فإنه أخبر عباده أن القتال لا يكون إلا لكف بأس الذين كفروا لا لإبادتهم، وأخبرهم بشروط القتال قال تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } ( البقرة : 190 )، فالمعتدي لا يستطيع أن يزعم أنه يقاتل في سبيل الله بل هو غير محبوب منه، ذلك لأنه لا يمكن التقرب إلى الله تعالى بفعل ما لا يحبه أو بالإعراض عن أوامره.
15 – إن التعلق بهذا الاسم والتوجه إليه يكُفُّ عن الإنسان بأس المشركين.
16 – إليه يستند تقدير الآجال وتحقيقها .
17 –هذا الاسم من الأسماء التي اقتضت أنشطة الإنسان الذهنية.
18 –هذا الاسم هو الذي ينبغي أن يستعيذ به الإنسان من نزغ الشيطان، قال تعالى: }وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ (فصلت: 36)، ذلك لأن الإنسان لا يرى ذات الشيطان، وإنما يتأثر بنزغه ووسوسته وكلها تمس أنشطته الذهنية والقلبية، ولذا وجب الاستعاذة بالاسم الذي يقتضي تلك الأنشطة والذي به يطلع الرحمن على وسوسة الشيطان.
ويقتضي هذا الاسم من الإنسان أن يلجأ إلى ربه داعياً إياه أن يتقبل عمله وأن يجيب دعاءه، وكذلك أن يوطِّن نفسه على احترام ما شرعه وما سنَّه من قوانين، وأن يحترم الإرادة الحرة لكل إنسان، وعليه أيضاً أن لا يحمل همَّاً لما تكفَّل الله تعالى به كالرزق مثلاً، فيثق في وعد الله تعالى، ولكن عليه أن يبذل طاقته ووسعه، كما عليه أن يأخذ بكل الأسباب التي تؤدي إلى تزكية نفسه، كذلك عليه أن يتعرف على قوانين التاريخ التي هي السنن، وأن يستفيد منها فإن الأمم تعلو وترقى بقدر إلمامها بتلك السنن والاستفادة منها، كذلك عليه أن يتأسَّي بالرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والمثنى السميع العليم من المثاني الذي أوتيها الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذا أُرسل رحمة من ربه للعالمين، وتمت به كلمة الله صدقاً وعدلاً، وكان مجاب الدعوة، وكان مجيئه رسولاً إجابة لدعوة أبويه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكفاه الله كيد المشركين من قريش ومن أهل الكتاب، وأوتي جوامع الكلم، وكان عين سماعه الأمر عين إدراكه له، فكان يحفظ القرآن ويدرك معانيه ومقاصده بمجرد سماعه، وكانت له العزة والكلمة النافذة، وأتى بالدين التام الكامل، وقاتل المشركين وانتصر عليهم، وكان مربياً ومزكياً للنفوس، وكان الأسوة الحسنة في احترام الجناب الإلهي وتعظيمه والتوكل عليه، وكان يدرك مقاصد الناس ودوافعهم ونواياهم بمجرد سماع كلامهم، وكان يجنح للسلم دائماً إذا ما عرض عليه، كما لم يرغم أحداً على ترك دينه بل دعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدال بالتي هي أحسن.
وهذ الاسم يقتضي من الإنسان تنمية ملكات الفهم والفقه والفكر، الاستجابة السريعة الملائمة، حسن تقدير الظروف، الرحمة، المثابرة واتقان العمل وإتمامه، القيام بالواجبات تجاه الأمة، احترام التشريعات الدينية والالتزام بها.
الاسم المفرد السميع
قال تعالى:
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء }آل عمران38
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء }إبراهيم39
فهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى
من حيث أنه سبحانه يتكلم فإنه يسمع كلام ذاته، والكلام هو فعل من أفعاله، وهو أيضاً ما ينتج عن ممارسته لهذا الفعل، لذلك ليس كمثل كلامه كلام، فكلامه هو الحقائق والماهيات والقوانين والسنن والآيات، وهو يسمع كلام مخلوقاته بذاته ومن حيث اسمه السميع ومن حيث كل ما هو له من آلات وأدوات من مخلوقاته، وهذا الاسم يدرك ما ينتج عن المخلوقات من أصوات من حيث هي كيانات أمرية معبرة عن معانٍ، أما إدراكها ككيانات خلقية حاملة لكيانات أمرية فهو للمثني السميع البصير، والحقائق الإنسانية كالسمع والفهم لابد من أن تستند إلى حقيقة إلهية هي السمع المنسوب إلى الحق سبحانه، فلابد من أن تستند كل حقيقة كونية إلى حقيقة إلهية بحيث تكون الحقيقة الكونية من وسائل إظهار وتفصيل الحقيقة الإلهية، ولكن إذا كان السمع الإنساني يستلزم جهازا سمعيا ومخا وغير ذلك لتحويل أثر الموجة الحاملة للكلام إلى معانٍ مدركة للإنسان فإن السمع الإلهي منزه عن الحاجة إلى أجهزة، والإنسان يسمع أي يدرك بأجهزة خلقها له غيره، أما الحق سبحانه فإنه يسمع بذاته وبكل ما خلق من مخلوقاته من حيث أنهم آلاته ومن حيث أنه وارث كل ما تحصله مداركهم.
فسمة السمع من سمات ذاته والاسم السميع هو من منظومة الأسماء الحسنى التي اقتضت تأليف حقائق مخلوقاته فآثارها سارية في كل هذا الكون فلا بد لكل كيان من نصيب منها حتى يستطيع إبداء الاستجابة الملائمة لكل ما يحيط به من ظروف وإطارات، وهو من الأسماء التي اقتضت ملكات الإنسان التي تستجيب للمؤثرات الخارجية ومنها الملكات الذهنية كالفهم والفقه.
فالسميع مثله مثل المثني السميع العليم هو الذي يدرك الأقوال والكيانات الأمرية، وهو لا يشغله قول عن قول، وهذا الاسم يشير إلى السمة التي اقتضت الفهم والفقه والإدراك عند الناس.
والاسم السميع قد ورد مفرداً في آيتين هما : { رَبّ هَبْ لِي مِن لّدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَآءِ} (آل عمران: 38) و{ الْحَمْدُ للّهِ الّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّي لَسَمِيعُ الدّعَآءِ } ( إبراهيم: 39)، وهكذا جاء الاسم دائما مضافا إلى الدعاء وفي كلتا الآيتين فإن الأمر المطلوب بالدعاء قد تحقق، ولذا فالاسم السميع هو بالأصالة الاسم الذي يجيب الدعاء بمعني أنه يقضى حاجة الداعي ويحققها له، ولذا فهذا الاسم يعنى أيضاً أنه المجيب، أما إدراك المسموعات فهو بالأصالة من حيث المثني السميع البصير وأفعاله ووظائفه، فالسميع اسم الذات من حيث إجابته لدعاء الكائنات وترتيب الأفعال علي أفعالهم الاختيارية، ولذا فهو من تفاصيل الاسم السميع العليم وتجلياته.
ويقتضي هذا الاسم من الإنسان أن يلبِّى حاجات السائلين وأن يقضيها طالما كان ذلك في استطاعته، وطالما كان ذلك ابتغاء مرضاة الله والتزاما بقوانينه وشرعه وكذلك عليه ألا يتجاهل أحدا من الناس بل عليه أن يتأدب بالإصغاء إلى كل من خاطبه وعليه إبداء القدر الكافي من الاهتمام بكل من طلب منه رأياً أو نصحاً أو مشورة.
والرمز يشير إلي سريان أمر من مصدر غيبي إلي الكائن المتسم بالسمة، لذلك فتلك السمة إنما تتعلق بالمعني الذي هو في باطن المتكلم وليس بالكيان الخلقي الحامل له أو الناقل له، ولذلك فالحق سبحانه يجيب ما يريده السائل من حيث كيانه الباطني الأعمق لا من حيث ما يجري علي لسانه.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
11- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق