القوي العزيز
قال تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ }هود66 * {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ }الشورى19 * وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40 * {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج74 * {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحديد25 * {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21 * {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }الأحزاب25
هذا المثنى من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى وهو من أسماء منظومة العزة.
إن السمة الواحدة التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة وفيها ما يفوقهما معاً تشير إلى العظمة اللانهائية لقدْره سبحانه، واستحالة أن يدرك أحد مدى عظمة وعزة هذا القدر وبالتالي استحالة أن يقدره أحد حق قدره، وهذا ما يجعل العبد مذنباً وإن أطاع وأحسن، قال تعالى: { مَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } ( الحج : 74 )، وسمة العزة بالأصالة تعني استحالة أن يعرفه أحد على ما هو عليه أو أن يحيط إحاطة تامة بحقيقة أي سمة من سماته.
ومن مقتضيات تلك السمة أن له الغلبة على أمره هو ومن ارتضى من رسله، فانتصار الرسل من السنن الكونية التي هي من مقتضيات هذا الاسم ، قال تعالى :
{ كَتَبَ اللّهُ لأغْلِبَنّ أَنَاْ وَرُسُلِيَ إِنّ اللّهَ قَوِيّ عَزِيزٌ } ( المجادلة : 21 )
ومن السنن الكونية التي اقتضاها هذا الاسم أيضاً انتصار من نصر الله تعالى، قال تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } ( الحج : 40 )
وهو سبحانه ليس في حاجة إلى من ينصره ، ولكنه يريد أن يبين سننه للناس فإذا كان هو قد آلي على نفسه أن يلتزم بقوانينه وسننه وأن يلتزم بكل كلمة سبقت منه أو كتبها على نفسه، فعباده أولى بذلك، ذلك لأنه سبحانه يمكنه أن يخسف الأرض بكل من كفر به وعاداه أو أشرك به ما لم ينزل به سلطاناً، ومع ذلك فإنه لا يفعل والتزم بما سبقت به كلمته من استخلاف الإنسان وتحميله الأمانة والاختيار وإرجاء الفصل في الأمر إلى اليوم المعلوم، وهكذا فإن الصراخ من على المنابر وشق الحناجر بالدعاء على أعداء الدين لن يجدي نفعاً إذا لم يقترن بسعي حثيث وعمل دءوب وفق القوانين والسنن لإحراز النصر، فإن الله سبحانه لن يخرق سننه من أجل أحد وما اتخذ صاحبة ولا ولداً ولا أبناء يحابيهم على حساب الآخرين، ولقد أشار الله تعالى في القرآن إلى أنه إذا أراد أن ينصر المستضعفين الذين يستغيثون به فإنه يستخدم آلاته وأدواته من عبادٍ صالحين لإنفاذ مراده، وهو لا يجبرهم على ذلك، وإنما يحثهم عليه ويحرِّضهم ، فمن كان لديه الاستعداد فإنه يسارع بالإجابة، قال تعالى :
{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً وَجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ نَصِيراً } ( النساء : 75 )
فالأمور القابلة للتحقق هي مقتضيات كل منظومة أسمائه الحسنى، ولقد اقتضت تلك المنظومة أن يكون للكيان المسمى بالإنسان إرادة حرة واختيارا، وهو سبحانه لا يفعل ما لا يتسق مع أسمائه وسماته الذاتية طلباً لمرضاة أحد من خلقه.
وإلى هذا الاسم تستند الوقائع والأحداث المتعلقة بالمواجهات بين الرسل وأتباعهم الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الحق وبين أهل الكفر والضلال والشرك، فهو الذي اقتضى السنن التي يتم بها تدبير تلك الأمور ودفع الناس بعضهم ببعض .
وإلى هذا الاسم يستند إنزال الحديد أي جعله في متناول الإنسان وفقاً لقوانين وسنن يمكن التعرف عليها ونقلها والاستفادة منها، إذ أن كل معدن –كسائر الأشياء- يستند في خلقه وإيجاده وإنزاله إلي اسم من الأسماء الحسني.
وإلى هذا الاسم يستند تشريع القتال لكفِّ بأس الظالمين والذين كفروا ، وكذلك إرسال الرسل بالكتاب والميزان .
وتلك السمة الواحدة ؛ التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة لازمة لإيصال الرزق إلى ما لا يتناهى عدده وتتنوع طلباته من الكائنات، فبالقوة يتمكن من ذلك وله العزة على من يتلقون الرزق.
والسمة المحكمة التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة هي من المثاني التي أوتيها الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذا وجه الله تعالى له الخطاب بعد أن قصَّ عليه قصة صالح ( عليه السلام ) مع قومه قائلاً : { فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا صَالِحاً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنّ رَبّكَ هُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيزُ } (هود : 66 )، ولذا امتنع على الخلق إدراك قدرة العظيم وكان له القدر الأعظم عند ربه وعلى كل العالمين، وانتصر انتصاراً مؤزراً على كل من عاداه، واقتضى ذلك أن يحمل السيف وأن يقاتل المشركين وأهل الضلال .
واقتضت عظمة قدره أن يكون له من ربه النصيب الأوفى من الأرزاق الحقيقية وهي الأرزاق المعنوية من خلق عظيم وعلم وحكمة وبلاغة وأحوال عليِّة ومقامات سنية .
واقتضى كل ذلك أن يتميز منه غيظاً كل الأشقياء كالكافرين والمنافقين والمفسدين وأهل الضلال دون أن ينالوا منه.
فهذا الاسم يشير إلي سمة واحدة تفصيلها القوة والعزة، وهو يقتضي من الإنسان الاتصاف بالقوة والعزة، فبالقوة يكون الإنسان عزيزا، وهذا ما يدفعه إلي الحرص علي الاستزادة من أسباب القوة، فالإنسان يجب أن يكون قويا علي كافة المستويات، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما معناه: (المؤمن القوى خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف)، فالمؤمن القوى أحب إلى الله لأنه أقرب إليه وذلك لتحليه بمقتضيات سمة من سماته، ولذا فالمؤمن يجب أن يكون قوى البدن قوى النفس، وقوة النفس تعني قوة الشخصية وتماسكها ومتانتها وقدرتها علي التأثير، والإنسان يجب أن يكون عزيزا في نفسه معتدا بإمكاناته لا يحاول أن يبخسها حقها، وعليه ألا يعرضها للإهانة أو المهانة، فالمؤمن هو أولى الناس بالعزة، قال تعالي: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ(8)} (المنافقون)، وتلك العزة لا تعني أن يتطاول علي غيره أو ألا يعرف له قدره بل يجب عليه أن يتواضع وألا يصعر خده للناس وأن يكون هيناً ليناً باشا، وهذا أيضا يعني أنه علي المؤمن أن يتبع كل أسلوب شريف لكي يرفع من قدر نفسه، وللحفاظ علي عزته يجب أن يعرف إمكانات نفسه حتى لا يخوض بها فيما ليس من شأنها أو فى مجال ليست هي من أهله، وهذا الاسم يقتضى من الإنسان أن ينصر الحق وأن يقوم بين الناس بالقسط وأن يحاول أن ينفعهم ما استطاع إلي ذلك سبيلا وأن يقوي دائما من بأسه لنفع الناس لا للتطاول عليهم، كما يجب عليه أن ينصر المستضعفين وأن يغيث المستغيثين، ويقتضي هذا الاسم من الإنسان أيضا احترام الإله وتعظيم قدره واكتساب القوى بكافة صورها المادية والمعنوية، وعليه أن يتحلي بالثقة بالله تعالى وبالعزة والمنعة، كما أن عليه أن يجاهد لتكون الغلبة لرسالة الحق ولتكون كلمة الله هي العليا.
وهذا الاسم يقتضي أن يكون المؤمنون أمة واحدة قوية مرهوبة الجانب، فهو من الأسماء التي اقتضت أركان الدين الملزمة للكيانات الكبرى.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13- نظرات عامة جديدة، 2007.
قال تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ }هود66 * {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ }الشورى19 * وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40 * {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج74 * {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحديد25 * {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21 * {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }الأحزاب25
هذا المثنى من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى وهو من أسماء منظومة العزة.
إن السمة الواحدة التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة وفيها ما يفوقهما معاً تشير إلى العظمة اللانهائية لقدْره سبحانه، واستحالة أن يدرك أحد مدى عظمة وعزة هذا القدر وبالتالي استحالة أن يقدره أحد حق قدره، وهذا ما يجعل العبد مذنباً وإن أطاع وأحسن، قال تعالى: { مَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } ( الحج : 74 )، وسمة العزة بالأصالة تعني استحالة أن يعرفه أحد على ما هو عليه أو أن يحيط إحاطة تامة بحقيقة أي سمة من سماته.
ومن مقتضيات تلك السمة أن له الغلبة على أمره هو ومن ارتضى من رسله، فانتصار الرسل من السنن الكونية التي هي من مقتضيات هذا الاسم ، قال تعالى :
{ كَتَبَ اللّهُ لأغْلِبَنّ أَنَاْ وَرُسُلِيَ إِنّ اللّهَ قَوِيّ عَزِيزٌ } ( المجادلة : 21 )
ومن السنن الكونية التي اقتضاها هذا الاسم أيضاً انتصار من نصر الله تعالى، قال تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } ( الحج : 40 )
وهو سبحانه ليس في حاجة إلى من ينصره ، ولكنه يريد أن يبين سننه للناس فإذا كان هو قد آلي على نفسه أن يلتزم بقوانينه وسننه وأن يلتزم بكل كلمة سبقت منه أو كتبها على نفسه، فعباده أولى بذلك، ذلك لأنه سبحانه يمكنه أن يخسف الأرض بكل من كفر به وعاداه أو أشرك به ما لم ينزل به سلطاناً، ومع ذلك فإنه لا يفعل والتزم بما سبقت به كلمته من استخلاف الإنسان وتحميله الأمانة والاختيار وإرجاء الفصل في الأمر إلى اليوم المعلوم، وهكذا فإن الصراخ من على المنابر وشق الحناجر بالدعاء على أعداء الدين لن يجدي نفعاً إذا لم يقترن بسعي حثيث وعمل دءوب وفق القوانين والسنن لإحراز النصر، فإن الله سبحانه لن يخرق سننه من أجل أحد وما اتخذ صاحبة ولا ولداً ولا أبناء يحابيهم على حساب الآخرين، ولقد أشار الله تعالى في القرآن إلى أنه إذا أراد أن ينصر المستضعفين الذين يستغيثون به فإنه يستخدم آلاته وأدواته من عبادٍ صالحين لإنفاذ مراده، وهو لا يجبرهم على ذلك، وإنما يحثهم عليه ويحرِّضهم ، فمن كان لديه الاستعداد فإنه يسارع بالإجابة، قال تعالى :
{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً وَجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ نَصِيراً } ( النساء : 75 )
فالأمور القابلة للتحقق هي مقتضيات كل منظومة أسمائه الحسنى، ولقد اقتضت تلك المنظومة أن يكون للكيان المسمى بالإنسان إرادة حرة واختيارا، وهو سبحانه لا يفعل ما لا يتسق مع أسمائه وسماته الذاتية طلباً لمرضاة أحد من خلقه.
وإلى هذا الاسم تستند الوقائع والأحداث المتعلقة بالمواجهات بين الرسل وأتباعهم الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الحق وبين أهل الكفر والضلال والشرك، فهو الذي اقتضى السنن التي يتم بها تدبير تلك الأمور ودفع الناس بعضهم ببعض .
وإلى هذا الاسم يستند إنزال الحديد أي جعله في متناول الإنسان وفقاً لقوانين وسنن يمكن التعرف عليها ونقلها والاستفادة منها، إذ أن كل معدن –كسائر الأشياء- يستند في خلقه وإيجاده وإنزاله إلي اسم من الأسماء الحسني.
وإلى هذا الاسم يستند تشريع القتال لكفِّ بأس الظالمين والذين كفروا ، وكذلك إرسال الرسل بالكتاب والميزان .
وتلك السمة الواحدة ؛ التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة لازمة لإيصال الرزق إلى ما لا يتناهى عدده وتتنوع طلباته من الكائنات، فبالقوة يتمكن من ذلك وله العزة على من يتلقون الرزق.
والسمة المحكمة التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة هي من المثاني التي أوتيها الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذا وجه الله تعالى له الخطاب بعد أن قصَّ عليه قصة صالح ( عليه السلام ) مع قومه قائلاً : { فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا صَالِحاً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنّ رَبّكَ هُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيزُ } (هود : 66 )، ولذا امتنع على الخلق إدراك قدرة العظيم وكان له القدر الأعظم عند ربه وعلى كل العالمين، وانتصر انتصاراً مؤزراً على كل من عاداه، واقتضى ذلك أن يحمل السيف وأن يقاتل المشركين وأهل الضلال .
واقتضت عظمة قدره أن يكون له من ربه النصيب الأوفى من الأرزاق الحقيقية وهي الأرزاق المعنوية من خلق عظيم وعلم وحكمة وبلاغة وأحوال عليِّة ومقامات سنية .
واقتضى كل ذلك أن يتميز منه غيظاً كل الأشقياء كالكافرين والمنافقين والمفسدين وأهل الضلال دون أن ينالوا منه.
فهذا الاسم يشير إلي سمة واحدة تفصيلها القوة والعزة، وهو يقتضي من الإنسان الاتصاف بالقوة والعزة، فبالقوة يكون الإنسان عزيزا، وهذا ما يدفعه إلي الحرص علي الاستزادة من أسباب القوة، فالإنسان يجب أن يكون قويا علي كافة المستويات، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما معناه: (المؤمن القوى خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف)، فالمؤمن القوى أحب إلى الله لأنه أقرب إليه وذلك لتحليه بمقتضيات سمة من سماته، ولذا فالمؤمن يجب أن يكون قوى البدن قوى النفس، وقوة النفس تعني قوة الشخصية وتماسكها ومتانتها وقدرتها علي التأثير، والإنسان يجب أن يكون عزيزا في نفسه معتدا بإمكاناته لا يحاول أن يبخسها حقها، وعليه ألا يعرضها للإهانة أو المهانة، فالمؤمن هو أولى الناس بالعزة، قال تعالي: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ(8)} (المنافقون)، وتلك العزة لا تعني أن يتطاول علي غيره أو ألا يعرف له قدره بل يجب عليه أن يتواضع وألا يصعر خده للناس وأن يكون هيناً ليناً باشا، وهذا أيضا يعني أنه علي المؤمن أن يتبع كل أسلوب شريف لكي يرفع من قدر نفسه، وللحفاظ علي عزته يجب أن يعرف إمكانات نفسه حتى لا يخوض بها فيما ليس من شأنها أو فى مجال ليست هي من أهله، وهذا الاسم يقتضى من الإنسان أن ينصر الحق وأن يقوم بين الناس بالقسط وأن يحاول أن ينفعهم ما استطاع إلي ذلك سبيلا وأن يقوي دائما من بأسه لنفع الناس لا للتطاول عليهم، كما يجب عليه أن ينصر المستضعفين وأن يغيث المستغيثين، ويقتضي هذا الاسم من الإنسان أيضا احترام الإله وتعظيم قدره واكتساب القوى بكافة صورها المادية والمعنوية، وعليه أن يتحلي بالثقة بالله تعالى وبالعزة والمنعة، كما أن عليه أن يجاهد لتكون الغلبة لرسالة الحق ولتكون كلمة الله هي العليا.
وهذا الاسم يقتضي أن يكون المؤمنون أمة واحدة قوية مرهوبة الجانب، فهو من الأسماء التي اقتضت أركان الدين الملزمة للكيانات الكبرى.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13- نظرات عامة جديدة، 2007.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق