العليــم الحكيــم
قال تعالى:
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }البقرة32 * {عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف83 * {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100 * {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }التحريم2 * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة28 * {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6
{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النساء26 * {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الأنفال71 * {وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{15}}التوبة * {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60 * {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة97 * {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة106 * {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الحج52
{وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور18 * {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور58 * {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور59 * {فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الحجرات8 * {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الممتحنة10 * {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً }النساء11 * {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }النساء24 * {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الأحزاب1 * {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الإنسان30 * {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء17 * {وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء92 * {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء104 * {وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء111 * {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء170 * {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }الفتح4
فالاسم بذلك من الأسماء الحسنى ومن أسماء النسق الأول.
هذا الاسم ينتمي إلى منظومة سمة الحكمة والتي تتضمن الأسماء: الحكيم العليم، العليم الحكيم، الحكيم، العزيز الحكيم، الحكيم الخبير، الحكيم الحميد، العلي الحكيم، التواب الحكيم.
وهو أيضا من تفاصيل حلقة إلهية هي: "الحكيم العليم-العليم الحكيم"، وهي بعينها: " العليم الحكيم-الحكيم العليم".
وللحكمة تجلياتها ومظاهرها في وجود القوانين والسنن والمقاصد والغايات والحِكَم وترتيب الأمور وارتباطاتها بكافة أشكالها.
والاسم العليم الحكيم يعبر عن سمة واحدة تفصيلها العلم المقترن بالحكمة مع تقدم العلم، فذلك الاسم من مجالاته الأساسية هذا العالم الظاهر من حيث أنه محل التفصيل والظهور، كما أنه من أسماء مجموعة الهدي والإرشاد والتشريع التي مجالها الإنسان من حيث هو مخير، لكل ذلك فإن دلالاته ووظائفه ومقتضياته متعددة شديدة التفصيل، فمنها:
1- شرائع متعلقة بالأسرة والأحوال الشخصية والمعاملات.
2 – شرائع متعلقة بالعقوبات.
3– شرائع أخلاقية ومتعلقة بالآداب.
4 – شرائع متعلقة بأركان الإسلام مثل توزيع الصدقات ومصارف الزكاة.
5 – نسخ بعض الشرائع السابقة على الإسلام من حيث أنه هو الدين الكامل.
6- نسخ الإلقاءات الشيطانية.
7- تعليمات متعلقة بالوقائع اليومية والأحداث الجارية.
8– استخلاص الحكمة مما لا يتناهى من التفاصيل، فمن العلم تأتي الحكمة وتُستَخلص ويُعرَج بها إلى السماوات.
9– مراقبة الالتزام بالأوامر الدينية ومراقبة الوقائع اليومية .
10– تدبير الوقائع اليومية لاختبار الناس.
11- بيان استناد كل تشريع وتدبير إلى الحكمة.
12- إلى ذلك الاسم يستند حكم الله بين المؤمنين.
13 –هو من الأسماء التي تحدد آثار الفعل الاختياري علي نفس الإنسان.
14- هو من الأسماء التي تعين المقصد أو الغاية أو الحكمة من الأمر الشرعي.
15- هو من الأسماء التي تعين المقصد أو الغاية أو الحكمة من تدبير وتصريف الأمر الكوني.
16- هو من أسماء البيان، فمن حيث هذا الاسم يبين الله الآيات أي يفصلها ويظهرها للناس بطريقة يمكنهم بها إدراكها وعقلها.
وإلى هذا المثنى تستند سنن الله تعالى في تصريف الأمور، فمن حيث هذا الاسم يستدرج الناس إلى ما فيه الخير لهم بإخفاء النعمة في ثوب النقمة، وقصة يوسف عليه السلام خير دليلٍ على ذلك، فتلك القصة هي في مجملها شرح وتفصيل لمقتضيات هذا الاسم على مستوى تدبير الوقائع والأحداث، فاللطف في التدبير إذن هـو من مقتضـيات ذلك المثنى، ولذا كان الاسم اللطيف من تجلياته.
وهذا الاسم يقتضي أن تستند كل التشريعات الدينية إلى الحكمة، فالتشريعات الدينية ليست مجرد أوامر تحكمية للابتلاء فقط، إن جهل الإنسان بالحكمة من الأمر الديني لا يعني عدم وجودها، بل إن عليه أن يجدَّ حتى يجدها، ذلك لأن الأوامر الدينية تنطوي على مصالح عظمى في الدنيا والآخرة، وكلها تستند إلى الحكمة، ولا يعني ذلك أنه سبحانه مجبر في فعله، فإن الحكمة التي تستند إليها الأمور هي سمته هو المسبوقة بعلمه هو، فهي من لوازم ماهيته، فإن من يفعل ما تقتضيه سماته أي ما تقتضيه طبيعته الذاتية لا يكون مجبراً على ما يفعل.
وهذا الاسم هو الذي اقتضي الملكات الإنسانية الذهنية التي تؤلف من الرسائل المختلفة الآتية من شتى الحواس بواسطة الملكات القلبية صورة للشيء المدرك، فهو الاسم الحاكم على عملية تأليف الصور، وهو الاسم الذي يستخلص الأمر المحكم من كل ما تستقبله الحواس وترسله إلي الدماغ، وهو كذلك الذي يستخلص العبر من الوقائع والقوانين من التفاصيل والمظاهر.
وبالنسبة إلي المرحلة المكية فلهذا الاسم آيات التأويل وبالنسبة إلي المرحلة المدنية فله آيات الأحكام والشرائع، وهو من الأسماء التي تحكم على الناس وتصدر الأحكام الشرعية التي هي مترتبة علي أحوال الناس التفصيلية، ولذلك تقدم العلم على الحكمة.
وتبيِّن قصة آدم مع الملائكة شيئاً من مقتضيات هذا الاسم، فعندما تعلم الملائكة أسماء الأشياء بعدما أنبأهم آدم بها استخلصوا الحكمة مما حدث ومن التفاصيل العلمية التي تلقُّوها، ومن الأمر بالسجود لآدم ، فتقدَّم علمهم بالأمر الحكمة منه، فأدركوا عندها ذلك الاسم إدراكاً ذوقياً وتعرفوا عليه، أما الأسماء التي تعلمها آدم وأنبأ بها الملائكة فهي الأسماء الحقيقية للأشياء الكلية، والتي تعبِّر عن السمة الأصلية لهذا الشيء، والتي بها يعرف كل شيء عنه، وذلك دونما حاجة إلى بحث أو استقصاء، وإنما تعلم آدم لأن لديه الاستعداد والقابلية لذلك، فكل الأشياء التي تعلم أسماءها إنما تعبر عن سمات جزئية بالنسبة له، فهم تفاصيل حقيقته الجامعة.
وأثناء ممارسة أي رسول لأمور رسالته ، يتِّم تفصيل الإجمال فتكثر الشرائع والأوامر والنواهي المتعلقة بكل أمور الدين، وهذا هو مجال العلم وميدانه، ولما كانت وظيفة الشيطان الأساسية هي إضلال الناس فإنه يلقى إليهم في أمور الرسالة ما يعنّ له أثناء حياة الرسول أو النبي وبعد انتقاله ، فالرسول أو النبي بصفة عامة لا يمكن أن يكون محلاً للإلقاء الشيطاني كما زعم بعض الظلمة المحسوبين على الإسلام من السلف في حق الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ لا يمكن أن يتلقى من الشيطان إلا من كان لديه استعداد لذلك، قال تعالى: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىَ مَن تَنَزّلُ الشّيَاطِينُ * تَنَزّلُ عَلَىَ كُلّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ} ( الشعراء: 221 – 222)، ثم يرتفع أمر هذه الإلقاءات الشيطانية إلى الاسم العليم الحكيم الذي يستخلص الأمر الصافي المجرد والحكمة من الأمر فينسخ ما يلقي الشيطان ويدحض حجته، ويتمُّ ذلك بإلقاء الصواب إلى الناس عن طريق نبي جديد ينقي الشريعة والدين من الإلقاء الشيطاني إذا لم تكن النبوة قد ختمت، وهذا ما كان يحدث قبل بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدين جديد مطهَّر من الإلقاءات الشيطانية التي شابت الكتب السابقة، وبذلك جاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدين النقي الغضّ، ولكن الشيطان لم يكن ليتوقف عن العمل، فلما لم يجد سبيلاً إلى أي إلقاء في القرآن الذي تعهد الله تعالى بحفظه أخذ يحرض المنافقين وأهل الكتاب والمغفلين من الأعراب وأعداء الدين على الكذب على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته وبعد انتقاله، وهذا ما دفع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن يقول: (من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار) ولكن المنافقين لا يعبئون بتهديدات كهذه، ذلك لأنه ليس لديهم إيمان أصلاً، ولذا استلزم الأمر وجود مجددين بشر بهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزيلون ما تراكم على وجه الدين من القاءات شيطانية ويعيدون إليه وجهه النقي الغضّ، والمجددون قال فيهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما معناه: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، والذي يتولى ذلك هو الاسم العليم الحكيم فهو أكثر الأسماء تعلقاً بأمور الشرائع والرسالات، أما رجال الكهنوت وعباد الأسلاف والأوهام فلقد تشبثوا بعناد بما ألقاه إليهم الشيطان فأساءوا إلي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلي القرآن وأعطوا الفرصة لعملاء الشيطان للطعن في الإسلام.
ولهذا الاسم أنساقه من القوانين والسنن والملائكة والجنود، ولجنوده مهام منها إنزال السكينة في قلوب المؤمنين عن أمر الله.
لزوم الحكمة اللاحقة
إن كل كيان خلقي أو أمري محفوف بالحكمة، والحكمة المترتبة علي تحقق الكيان هي الحكمة اللاحقة والتي تعرف أيضاً بالمقصد أو الغاية، وبينما أقر البعض بالسببية بمعنى أن الظواهر الطبيعية مترتبة على أسباب أدت إلى حدوثها فإنه أنكر الغائية بمعنى أن ثمة غايات أو مقاصد تسعى إليها الظواهر وتحدث من أجل تحقيقها، وفى الحقيقة أنه لا يمكن الإقرار بواحدة مع إنكار الأخرى لأن السببية والغائية أو بالأحرى الحكمة السابقة والحكمة اللاحقة مرتبطان ببعضهما ارتباطاً تاما، وتستند الغائية إلى الأسماء العليم الحكيم والعزيز الحكيم والعلي الحكيم والحكيم، أما الاسم الرئيس الذي اقتضي لزوم الحكمة اللاحقة فهو الاسم العليم الحكيم، ولما كان الاسم الرئيس الذي اقتضي لزوم الحكمة السابقة هو الاسم الحكيم العليم فالاسمان معاً يشكلان حلقة إلهية هي التي اقتضت كل الحلقات الكونية التي تربط المقدمات بالنتائج والأوامر بالغايات والمقاصد، وبالنسبة للحلقة الكونية فإنه يمكن النظر إلى كل نقطة عليها كبداية ( كسبب أو حكمة سابقة ) أو كنهاية ( كغاية أو نتيجة أو حكمة لاحقة )، بيد أن الخطأ إنما هو في التفسير الإنساني للغايات أو أنسنة الغايات وكذلك في نسبة الفعل كلية إلى الظواهر، فالحقيقة هي أنه سبحانه هو الآخذ بنواصي كل شيء إلى ما يريده منه؛ أي إلى ما خلقه له، فهو سبحانه يستعمل كل شيء فيما يصلح له وفيما قدَّره عليه حتى يحقق الغاية من وجوده، ولا جبر في ذلك فهو يستعمل الأشياء وفق مقتضيات طبائعها الذاتية، والقول بالسببية والغائية لا يعنى القول بالجبرية أي بحتمية الفعل الإنساني، وإنما يعنى حتمية القوانين الإلهية وأنه لا تبديل لها ولا تحويل، وتلك القوانين تسمح للإنسان بأن يختار وأن يريد وأن يفعل ما هو متفق مع طبيعته الذاتية بيد أنها ترتب على هذا الفعل الاختياري آثاره اللازمة، فالسببية والغائية أو الحكمة السابقة والحكمة اللاحقة تعنى أن كل كائن في سعيه نحو ربه تدفعه وتسوقه حكمة سابقة وتجذبه حكمة لاحقة ويترتب علي ذلك أن يسبح كل شيء في فلكه الخاص به، والحق هو أن كل كائن يسبح ربه بتعينه ووجوده كما يسبح بحمده بكونه مفصلاَ لسمات حسنه وكماله.
ولقد رفض بعض الناس واستنكروا القول بأنه سبحانه يفعل لحكمة أو لمقصد أو لغاية، وقالوا إن ذلك كان لمحض المشيئة، وخطؤهم هو في ظنهم تعارضاً أو تغايرا بين المشيئة والقوانين، وكذلك في ظنهم أن المشيئة الإلهية كالمشيئة البشرية أو محض أمر عشوائي، ويتضمن ذلك تشبيهاً له سبحانه بسلاطينهم الذين كانوا يتصرفون كما يحلو لهم ودون أدني التزام تجاه شعوبهم، وهم بإرجاعهم الأمور إلى المشيئة لم يقدموا تفسيرا وإنما أحالوا المشكلة إلي مستوى أو مجال آخر، ولكن عملهم هذا صرف الناس عن المعرفة الصحيحة الواردة في القرآن وعن العمل بما فيه وأدَّى كل ذلك إلى إهمال النظر في الآيات والقوانين والسنن، وكان عليهم أن يعلموا أن المشيئة هي جماع مقتضيات الأسماء الحسنى والتي يشير كثير منها إلى الحكمة؛ أي هي جماع القوانين والسنن الحاكمة على أمر الوجود والسارية فيه، ولذا كان لا بد من سريان الحكمة في كل خلق أو فعل أو أمر منسوب إليه، ولكن عبيد المذاهب الضالة يظنون أو يقولون بلسان حالهم أن المشيئة محض أمر عشوائي وكفى بذلك إثماً مبينا.
ومظاهر الاسمين الحكيم العليم والعليم الحكيم إنما تبرز في الفقه والنشاط العقلي الإنساني؛ فاستناداً إليهما يقوم الإنسان من حيث قلبه بالتحليل والتفصيل والتجريد والتركيب والتخيل والتأويل.
ويجب أن يتصف الإنسان بما يشير إليه هذان الاسمان من حكمة وعلم مقترنين فذلك خُلُقٌ لازم لإنسان يسعى نحو الكمال، والإنسان المتصف بذلك يقصد الحكمة في العلم ويبحث عنها في التفاصيل والمعلومات، كما يبحث عن المقاصد والغايات في الأمور الظاهرة من العبادات ويحاول استخلاص القوانين والأسباب وراء الظواهر والآيات.
ويقتضى هذا الاسم من الإنسان أن ينمى قدراته على التأليف و التركيب (Synthesis) والاستنباط والتفسير والتأويل والتجريد واستخلاص القوانين من الظواهر والآيات واستخراج الجوهر من المظهر، كذلك عليه أن يفقه الحكمة من الأمر الشرعي وأن يبحث عن المقصد المراد من التعليمات، وألا ينشغل بالمبني عن المعني، وأن يكون واسع الحيلة عظيم التدبير يثابر علي متابعة ما يريد، كما يقتضي تنمية الملكات الذهنية مثل القدرة على استخلاص الأمر المجرد من التفاصيل والعبور من الظواهر إلى البواطن ومن الفروع إلى الأصول والاستنباط واكتشاف القوانين من المعطيات الحسية والتجارب والقدرة على سن القوانين اللازمة والوصول إلى الأحكام الصائبة، كما يقتضي هذا الاسم من الإنسان أن يعلم أن إيجاد الكائنات وتدبير الأمور أو إصدارها أو تقديرها وتفصيل الآيات وسنَّ القوانين كل ذلك مؤدٍّ إلي تحقيق مقصد أو غاية أو حكمة عليه أن يعرفها.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
11- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
12- نظرات عامة جديدة، 2007.
قال تعالى:
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }البقرة32 * {عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف83 * {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100 * {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }التحريم2 * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة28 * {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6
{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النساء26 * {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الأنفال71 * {وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{15}}التوبة * {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60 * {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة97 * {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة106 * {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الحج52
{وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور18 * {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور58 * {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور59 * {فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الحجرات8 * {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الممتحنة10 * {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً }النساء11 * {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }النساء24 * {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الأحزاب1 * {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الإنسان30 * {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء17 * {وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء92 * {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء104 * {وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء111 * {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء170 * {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }الفتح4
فالاسم بذلك من الأسماء الحسنى ومن أسماء النسق الأول.
هذا الاسم ينتمي إلى منظومة سمة الحكمة والتي تتضمن الأسماء: الحكيم العليم، العليم الحكيم، الحكيم، العزيز الحكيم، الحكيم الخبير، الحكيم الحميد، العلي الحكيم، التواب الحكيم.
وهو أيضا من تفاصيل حلقة إلهية هي: "الحكيم العليم-العليم الحكيم"، وهي بعينها: " العليم الحكيم-الحكيم العليم".
وللحكمة تجلياتها ومظاهرها في وجود القوانين والسنن والمقاصد والغايات والحِكَم وترتيب الأمور وارتباطاتها بكافة أشكالها.
والاسم العليم الحكيم يعبر عن سمة واحدة تفصيلها العلم المقترن بالحكمة مع تقدم العلم، فذلك الاسم من مجالاته الأساسية هذا العالم الظاهر من حيث أنه محل التفصيل والظهور، كما أنه من أسماء مجموعة الهدي والإرشاد والتشريع التي مجالها الإنسان من حيث هو مخير، لكل ذلك فإن دلالاته ووظائفه ومقتضياته متعددة شديدة التفصيل، فمنها:
1- شرائع متعلقة بالأسرة والأحوال الشخصية والمعاملات.
2 – شرائع متعلقة بالعقوبات.
3– شرائع أخلاقية ومتعلقة بالآداب.
4 – شرائع متعلقة بأركان الإسلام مثل توزيع الصدقات ومصارف الزكاة.
5 – نسخ بعض الشرائع السابقة على الإسلام من حيث أنه هو الدين الكامل.
6- نسخ الإلقاءات الشيطانية.
7- تعليمات متعلقة بالوقائع اليومية والأحداث الجارية.
8– استخلاص الحكمة مما لا يتناهى من التفاصيل، فمن العلم تأتي الحكمة وتُستَخلص ويُعرَج بها إلى السماوات.
9– مراقبة الالتزام بالأوامر الدينية ومراقبة الوقائع اليومية .
10– تدبير الوقائع اليومية لاختبار الناس.
11- بيان استناد كل تشريع وتدبير إلى الحكمة.
12- إلى ذلك الاسم يستند حكم الله بين المؤمنين.
13 –هو من الأسماء التي تحدد آثار الفعل الاختياري علي نفس الإنسان.
14- هو من الأسماء التي تعين المقصد أو الغاية أو الحكمة من الأمر الشرعي.
15- هو من الأسماء التي تعين المقصد أو الغاية أو الحكمة من تدبير وتصريف الأمر الكوني.
16- هو من أسماء البيان، فمن حيث هذا الاسم يبين الله الآيات أي يفصلها ويظهرها للناس بطريقة يمكنهم بها إدراكها وعقلها.
وإلى هذا المثنى تستند سنن الله تعالى في تصريف الأمور، فمن حيث هذا الاسم يستدرج الناس إلى ما فيه الخير لهم بإخفاء النعمة في ثوب النقمة، وقصة يوسف عليه السلام خير دليلٍ على ذلك، فتلك القصة هي في مجملها شرح وتفصيل لمقتضيات هذا الاسم على مستوى تدبير الوقائع والأحداث، فاللطف في التدبير إذن هـو من مقتضـيات ذلك المثنى، ولذا كان الاسم اللطيف من تجلياته.
وهذا الاسم يقتضي أن تستند كل التشريعات الدينية إلى الحكمة، فالتشريعات الدينية ليست مجرد أوامر تحكمية للابتلاء فقط، إن جهل الإنسان بالحكمة من الأمر الديني لا يعني عدم وجودها، بل إن عليه أن يجدَّ حتى يجدها، ذلك لأن الأوامر الدينية تنطوي على مصالح عظمى في الدنيا والآخرة، وكلها تستند إلى الحكمة، ولا يعني ذلك أنه سبحانه مجبر في فعله، فإن الحكمة التي تستند إليها الأمور هي سمته هو المسبوقة بعلمه هو، فهي من لوازم ماهيته، فإن من يفعل ما تقتضيه سماته أي ما تقتضيه طبيعته الذاتية لا يكون مجبراً على ما يفعل.
وهذا الاسم هو الذي اقتضي الملكات الإنسانية الذهنية التي تؤلف من الرسائل المختلفة الآتية من شتى الحواس بواسطة الملكات القلبية صورة للشيء المدرك، فهو الاسم الحاكم على عملية تأليف الصور، وهو الاسم الذي يستخلص الأمر المحكم من كل ما تستقبله الحواس وترسله إلي الدماغ، وهو كذلك الذي يستخلص العبر من الوقائع والقوانين من التفاصيل والمظاهر.
وبالنسبة إلي المرحلة المكية فلهذا الاسم آيات التأويل وبالنسبة إلي المرحلة المدنية فله آيات الأحكام والشرائع، وهو من الأسماء التي تحكم على الناس وتصدر الأحكام الشرعية التي هي مترتبة علي أحوال الناس التفصيلية، ولذلك تقدم العلم على الحكمة.
وتبيِّن قصة آدم مع الملائكة شيئاً من مقتضيات هذا الاسم، فعندما تعلم الملائكة أسماء الأشياء بعدما أنبأهم آدم بها استخلصوا الحكمة مما حدث ومن التفاصيل العلمية التي تلقُّوها، ومن الأمر بالسجود لآدم ، فتقدَّم علمهم بالأمر الحكمة منه، فأدركوا عندها ذلك الاسم إدراكاً ذوقياً وتعرفوا عليه، أما الأسماء التي تعلمها آدم وأنبأ بها الملائكة فهي الأسماء الحقيقية للأشياء الكلية، والتي تعبِّر عن السمة الأصلية لهذا الشيء، والتي بها يعرف كل شيء عنه، وذلك دونما حاجة إلى بحث أو استقصاء، وإنما تعلم آدم لأن لديه الاستعداد والقابلية لذلك، فكل الأشياء التي تعلم أسماءها إنما تعبر عن سمات جزئية بالنسبة له، فهم تفاصيل حقيقته الجامعة.
وأثناء ممارسة أي رسول لأمور رسالته ، يتِّم تفصيل الإجمال فتكثر الشرائع والأوامر والنواهي المتعلقة بكل أمور الدين، وهذا هو مجال العلم وميدانه، ولما كانت وظيفة الشيطان الأساسية هي إضلال الناس فإنه يلقى إليهم في أمور الرسالة ما يعنّ له أثناء حياة الرسول أو النبي وبعد انتقاله ، فالرسول أو النبي بصفة عامة لا يمكن أن يكون محلاً للإلقاء الشيطاني كما زعم بعض الظلمة المحسوبين على الإسلام من السلف في حق الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ لا يمكن أن يتلقى من الشيطان إلا من كان لديه استعداد لذلك، قال تعالى: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىَ مَن تَنَزّلُ الشّيَاطِينُ * تَنَزّلُ عَلَىَ كُلّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ} ( الشعراء: 221 – 222)، ثم يرتفع أمر هذه الإلقاءات الشيطانية إلى الاسم العليم الحكيم الذي يستخلص الأمر الصافي المجرد والحكمة من الأمر فينسخ ما يلقي الشيطان ويدحض حجته، ويتمُّ ذلك بإلقاء الصواب إلى الناس عن طريق نبي جديد ينقي الشريعة والدين من الإلقاء الشيطاني إذا لم تكن النبوة قد ختمت، وهذا ما كان يحدث قبل بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدين جديد مطهَّر من الإلقاءات الشيطانية التي شابت الكتب السابقة، وبذلك جاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدين النقي الغضّ، ولكن الشيطان لم يكن ليتوقف عن العمل، فلما لم يجد سبيلاً إلى أي إلقاء في القرآن الذي تعهد الله تعالى بحفظه أخذ يحرض المنافقين وأهل الكتاب والمغفلين من الأعراب وأعداء الدين على الكذب على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته وبعد انتقاله، وهذا ما دفع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن يقول: (من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار) ولكن المنافقين لا يعبئون بتهديدات كهذه، ذلك لأنه ليس لديهم إيمان أصلاً، ولذا استلزم الأمر وجود مجددين بشر بهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزيلون ما تراكم على وجه الدين من القاءات شيطانية ويعيدون إليه وجهه النقي الغضّ، والمجددون قال فيهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما معناه: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، والذي يتولى ذلك هو الاسم العليم الحكيم فهو أكثر الأسماء تعلقاً بأمور الشرائع والرسالات، أما رجال الكهنوت وعباد الأسلاف والأوهام فلقد تشبثوا بعناد بما ألقاه إليهم الشيطان فأساءوا إلي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلي القرآن وأعطوا الفرصة لعملاء الشيطان للطعن في الإسلام.
ولهذا الاسم أنساقه من القوانين والسنن والملائكة والجنود، ولجنوده مهام منها إنزال السكينة في قلوب المؤمنين عن أمر الله.
لزوم الحكمة اللاحقة
إن كل كيان خلقي أو أمري محفوف بالحكمة، والحكمة المترتبة علي تحقق الكيان هي الحكمة اللاحقة والتي تعرف أيضاً بالمقصد أو الغاية، وبينما أقر البعض بالسببية بمعنى أن الظواهر الطبيعية مترتبة على أسباب أدت إلى حدوثها فإنه أنكر الغائية بمعنى أن ثمة غايات أو مقاصد تسعى إليها الظواهر وتحدث من أجل تحقيقها، وفى الحقيقة أنه لا يمكن الإقرار بواحدة مع إنكار الأخرى لأن السببية والغائية أو بالأحرى الحكمة السابقة والحكمة اللاحقة مرتبطان ببعضهما ارتباطاً تاما، وتستند الغائية إلى الأسماء العليم الحكيم والعزيز الحكيم والعلي الحكيم والحكيم، أما الاسم الرئيس الذي اقتضي لزوم الحكمة اللاحقة فهو الاسم العليم الحكيم، ولما كان الاسم الرئيس الذي اقتضي لزوم الحكمة السابقة هو الاسم الحكيم العليم فالاسمان معاً يشكلان حلقة إلهية هي التي اقتضت كل الحلقات الكونية التي تربط المقدمات بالنتائج والأوامر بالغايات والمقاصد، وبالنسبة للحلقة الكونية فإنه يمكن النظر إلى كل نقطة عليها كبداية ( كسبب أو حكمة سابقة ) أو كنهاية ( كغاية أو نتيجة أو حكمة لاحقة )، بيد أن الخطأ إنما هو في التفسير الإنساني للغايات أو أنسنة الغايات وكذلك في نسبة الفعل كلية إلى الظواهر، فالحقيقة هي أنه سبحانه هو الآخذ بنواصي كل شيء إلى ما يريده منه؛ أي إلى ما خلقه له، فهو سبحانه يستعمل كل شيء فيما يصلح له وفيما قدَّره عليه حتى يحقق الغاية من وجوده، ولا جبر في ذلك فهو يستعمل الأشياء وفق مقتضيات طبائعها الذاتية، والقول بالسببية والغائية لا يعنى القول بالجبرية أي بحتمية الفعل الإنساني، وإنما يعنى حتمية القوانين الإلهية وأنه لا تبديل لها ولا تحويل، وتلك القوانين تسمح للإنسان بأن يختار وأن يريد وأن يفعل ما هو متفق مع طبيعته الذاتية بيد أنها ترتب على هذا الفعل الاختياري آثاره اللازمة، فالسببية والغائية أو الحكمة السابقة والحكمة اللاحقة تعنى أن كل كائن في سعيه نحو ربه تدفعه وتسوقه حكمة سابقة وتجذبه حكمة لاحقة ويترتب علي ذلك أن يسبح كل شيء في فلكه الخاص به، والحق هو أن كل كائن يسبح ربه بتعينه ووجوده كما يسبح بحمده بكونه مفصلاَ لسمات حسنه وكماله.
ولقد رفض بعض الناس واستنكروا القول بأنه سبحانه يفعل لحكمة أو لمقصد أو لغاية، وقالوا إن ذلك كان لمحض المشيئة، وخطؤهم هو في ظنهم تعارضاً أو تغايرا بين المشيئة والقوانين، وكذلك في ظنهم أن المشيئة الإلهية كالمشيئة البشرية أو محض أمر عشوائي، ويتضمن ذلك تشبيهاً له سبحانه بسلاطينهم الذين كانوا يتصرفون كما يحلو لهم ودون أدني التزام تجاه شعوبهم، وهم بإرجاعهم الأمور إلى المشيئة لم يقدموا تفسيرا وإنما أحالوا المشكلة إلي مستوى أو مجال آخر، ولكن عملهم هذا صرف الناس عن المعرفة الصحيحة الواردة في القرآن وعن العمل بما فيه وأدَّى كل ذلك إلى إهمال النظر في الآيات والقوانين والسنن، وكان عليهم أن يعلموا أن المشيئة هي جماع مقتضيات الأسماء الحسنى والتي يشير كثير منها إلى الحكمة؛ أي هي جماع القوانين والسنن الحاكمة على أمر الوجود والسارية فيه، ولذا كان لا بد من سريان الحكمة في كل خلق أو فعل أو أمر منسوب إليه، ولكن عبيد المذاهب الضالة يظنون أو يقولون بلسان حالهم أن المشيئة محض أمر عشوائي وكفى بذلك إثماً مبينا.
ومظاهر الاسمين الحكيم العليم والعليم الحكيم إنما تبرز في الفقه والنشاط العقلي الإنساني؛ فاستناداً إليهما يقوم الإنسان من حيث قلبه بالتحليل والتفصيل والتجريد والتركيب والتخيل والتأويل.
ويجب أن يتصف الإنسان بما يشير إليه هذان الاسمان من حكمة وعلم مقترنين فذلك خُلُقٌ لازم لإنسان يسعى نحو الكمال، والإنسان المتصف بذلك يقصد الحكمة في العلم ويبحث عنها في التفاصيل والمعلومات، كما يبحث عن المقاصد والغايات في الأمور الظاهرة من العبادات ويحاول استخلاص القوانين والأسباب وراء الظواهر والآيات.
ويقتضى هذا الاسم من الإنسان أن ينمى قدراته على التأليف و التركيب (Synthesis) والاستنباط والتفسير والتأويل والتجريد واستخلاص القوانين من الظواهر والآيات واستخراج الجوهر من المظهر، كذلك عليه أن يفقه الحكمة من الأمر الشرعي وأن يبحث عن المقصد المراد من التعليمات، وألا ينشغل بالمبني عن المعني، وأن يكون واسع الحيلة عظيم التدبير يثابر علي متابعة ما يريد، كما يقتضي تنمية الملكات الذهنية مثل القدرة على استخلاص الأمر المجرد من التفاصيل والعبور من الظواهر إلى البواطن ومن الفروع إلى الأصول والاستنباط واكتشاف القوانين من المعطيات الحسية والتجارب والقدرة على سن القوانين اللازمة والوصول إلى الأحكام الصائبة، كما يقتضي هذا الاسم من الإنسان أن يعلم أن إيجاد الكائنات وتدبير الأمور أو إصدارها أو تقديرها وتفصيل الآيات وسنَّ القوانين كل ذلك مؤدٍّ إلي تحقيق مقصد أو غاية أو حكمة عليه أن يعرفها.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
11- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
12- نظرات عامة جديدة، 2007.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق