من الأسماء الحسنى3
المـلك الحــق، الملــك، الســلام، المـؤمن، المهـيمن، الفتـــاح
القريــب، القريب المجيب، المجيـب.
المـلك الحــق
قال تعالى:
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }المؤمنون116
فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
الملك الحق هو رب العرش الكريم، أي أن له المرتبة العليا من مراتب هذا العالم، وتلك المرتبة مفصلة بمراكز السيطرة والتحكم والقيادة من كل كائن من الكائنات والكيانات ولكنه سبحانه لا يستعمل كائنا أو كيانا إلا وفق طبيعته الذاتية وحقيقته الأصلية؛ فإذا كان هذا الكائن مكلفا مختارا فإنه يستعمله كذلك فهو لا يحمله على خلاف حقيقته أو استعداده وإن كان الكائن المختار يتميز أيضا باستعداد مكتسب وبأن صورته الجوهرية قابلة للتغير طبقا لآثار أعماله.
أما كل مالك ممن هم من دونه فليس بمالك في الحقيقة وإنما هو مستخلف في بعض الأمور والأشياء على سبيل الاختبار والابتلاء، فإن أحسن القيام بأمر ما استخلف فيه فقد فاز ونجا وإن أساء فقد ضل مسعاه وهوي، ولأنه سبحانه الملك الحق فله العلو المطلق وله الألوهية التي انفرد بها وهو رب العرش الكريم.
وهو من حيث هذا المثني يلقي الوحي علي من يشاء من عباده ويراقب عملية تلقيه ويرشد المتلقي إلي الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذا الأمر.
فالإنسان مثلاً لا يملك مع ربه شيئاً، بل لا يملك نفسه أو قلبه، ولكن الله سبحانه تفضل وجعله مستخلفاً في بعض الأمور ومنها ما ينسبه إليه الناس من المال، قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }الحديد7، ومن عظيم كرمه ومنه على عباده أن ينزل نفسه منزلة من يستقرضهم مع أنه مالكهم ومالك كل شيء، هذا بالإضافة إلى أنه لا يطلب القرض لنفسه وإنما لإخوانهم الفقراء والمساكين ولأعمال البر التي سينتفعون هم وليس هو بها، ومع كل ذلك فقد وعدهم بمضاعفة ثواب ما ينفقونه، قال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245، {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }الحديد11، {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }التغابن17، َاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المزمل20.
وهذا الاسم يقتضي من الإنسان القيام بركن الإنفاق في سبيل الله وأن يعلم أن نفسه وكل ما يملك هو بالأصالة ملك لله، فعليه أن يعمل بمقتضى ذلك.
الملــك
المالك
قال تعالى:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ-مَلِكِ النَّاسِ }الناس1-2 * {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }الفاتحة4 * {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
فهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هو الذي له الملك المطلق فكل ما أبدعه أو خلقه أو اقتضاه هو ملك ذاتي له لم يستخلفه أحد فيه، فهو مبدع وخالق كل ما هو في مملكته وهو الذي خلق المواد اللازمة لتحقيقهم وإظهارهم، وهو خالق المواد اللازمة لبقائهم، كما أن له تمام الغلبة والقهر على كل ما هو في مملكته، ومحل الظهور الأتم لهذا الملك إنما هو في يوم الدين حيث أن كنهه الذاتي ومنظومة أسمائه قد اقتضت أن يحتجب عن مخلوقاته في تلك الدار وفيما وراء تلك الدار، وأن يجعل النتائج فيها منوطة بأسبابها الظاهرة، وأن يستخلف فيها ما خلقه من الكائنات ابتلاءاً للجميع.
فالملـك هو الذي له كل شيء فهو يملك كل ما هو من دونه امتلاكا ذاتيا مطلقا لأنه أوجدهم وخلقهم وكل منهم مسبوق بالعدم لنفسه لا محالة فلا يساوقه مخلوق في مراتبه الذاتية الواجبة، أما مخلوقاته فلا تملك حتى نفسها امتلاكا ذاتيا وإنما هي مستخلفة في الأشياء.
وهو الحاكم المتصرف في مملكته والمقتدر عليها والمتمكن منها فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو الذي يؤتى الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء بمقتضى قوانينه وسننه، وهو يتصرف أيضا في الكيانات المعنوية الأمرية فيهب العزة لمن يشاء ولا يتم الأمر اعتباطا لأن مشيئته هي جماع قوانينه وسننه فهي تنسب إليه كما يليق به، فلم يتول أحد الملك خبط عشواء ولم يعتز أحد بالصدفة المحض وإنما يتم ذلك وفق قوانين وسنن وإن جهلها الناس.
ولما كان يوم الدين هو يوم القضاء والفصل بين الناس والحكم العام على كل إنسان كان سبحانه هو مالك يوم الدين وديان العباد والحاكم عليهم هنالك، فذلك اليوم هو اليوم الذي يتجلى فيه اسمه هذا بحيث لا يسع أحد إنكاره.
وهو أيضا الملك المطلق الحريص على سلامة مملكته والذي يحكمهم بمقتضى قوانينه وسننه وهم رعيته الذين يتصرف فيهم ويحكم عليهم ويفصل فيما بينهم ويدبر أمورهم ويثيب المحسن ويعاقب المسيء منهم ويأمر وينهي ويعطى ويمنع ويعز ويذل، ولكنه يفعل كل ذلك بمقتضى قوانينه وسننه التي هي مقتضيات حسنه وكماله المطلق.
ومن لوازم ومقتضيات هذا الاسم أن عنده كل الخزائن؛ وأسمى خزائنه هي كمالاته المحكمة والمفصلة فهي التي اقتضت الأشياء، ولما تحققت الكائنات أخذ يمدها من خزائنه أي مما هو لديه من الكمالات، وخزائنه لا تنفد لأن المعاني والكيانات الأمرية تعطى دون أن تفقد، فمن أعطى الآخر علما فما فقده وإنما زكاه ونماه، والحق سبحانه أولى بذلك وإن كان علمه من حيث كماله اللانهائي المطلق لا يتغير وإنما المعلومات التفصيلية هي التي تزداد ومهما تزايد مجال العلم واتسع فإن السمة الإلهية العلمية ستظل محيطة به لاتساعها اللانهائي المطلق.
والأشياء التي اقتضتها مشيئته هي أيضا من خزائنه وما ظهر بها من كائنات هي أيضا كذلك، فلا بد من ودائع لدى كل كائن لبعض الكائنات الأخرى هي بالأصالة ملك لله تعالى وإنما هو الذي استخلفه فيها وائتمنـه عليها.
وكرمز فإن الميم إشارة إلي مقتضيات ومجالات ومحال عمل أسمائه واللام إشارة إلي صلته بكل ذلك وهي صلة هيمنة وحفظ ورقابة وسيطرة، والكاف إشارة إلي صلة الارتباط بين مفردات كل ما ذكر من الكائنات والكيانات وبينه سبحانه، ودورانها في فلكه وتسبيحها بحمده وخضوعها له فعبوديتها له هي أصل كل صلة به.
الســلام
قال تعالى:
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }الجمعة1
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23}
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
إن ذاته هي كيان أحدى صمدي لا تركب فيه ولا تجزؤ ولا تفاوت، لذلك فهو السلام لأن له السلامة التامة، ذلك لأن منشأ ما يخالف السلام هو التركب والنقص والتفاوت ووجود الند أو الكفء ولا وجود لشيء من ذلك أبدا بالنسبة إليه، كذلك ليس ثمة تقابل أو تضاد في منظومات أسمائه، فكل منظومة منها تتضمن أسماء متسقة اتساقاً تاماً لأنها لوازم نفس الكيان الأحدي الصمدي، فاستعمال المصدر لغويا كعلم عليه هو صيغة مبالغة من السمة التي هي له، وهو سبحانه أيضا مصدر السلام بمعنى السلامة فكل سلامة حظي بها إنسان أو كيان فهي منه ولا استناد لها في الوجود إلا إليه، وهو مصدر السلام بمعنى عدم الصراع أو الشقاق أو التناحر أي هو مصدر السلام الداخلي في كل كيان.
لكل ذلك فهو يضمن السلام لنظام مملكته لأنها كانت من مقتضيات قوانينه وسننه، وهي لا يمكن أن تتناقض كما سبق القول، ولما كان الأمر كذلك فإن به يتحقق السلام التام لجميع الأنام.
وكونه السلام مرببط بكونه القدوس، فالقدوس هو المنزه تنزيهاً تاماً عن كل ما يمكن أن يخطر ببال مخلوق من التصورات، وهو أصل كل طهر ونقاء وبراءة، وهو كيان صمدي واحد لا تركيب فيه فهو السلام المطلق.
وحرف السين يشير إلي السلام والسهولة واليسر واتصاله بما بعده يشير إلي سريان كل ذلك بيسر منه إلي محالِّه ومجالاته.
المـؤمن
قال تعالى:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23}
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
لما كان هو سبحانه مصدر السلام بين الكيانات المختلفة فهو أيضا مصدر الأمن والسكينة والطمأنينة فهو بذلك المؤمن كذلك كان منه الأمن ومنه الأمان، فإن قوانينه وسننه وكلماته لا تبديل لها ولا تحويل، فيمكن الركون إليها والثقة بها والاطمئنان إليها، وهو كذلك يضمن الأمن لمن آمن به ولم يلبس إيمانه بظلم فلم يشرك به شيئا.
وهذا الاسم من أسماء منظومة الرحمة والهدي وهو الذي يتولى أمر من توافق معه بالنصر والتأييد فينجذبون بواسطته إلي من له هذا الاسم، وهذا يلزم كل من أراد أن يتقرب منه أن يتعلق بسبب من أسبابه، وخير ما يمكنه أن يتعلق به هو كتابه الذي جعله هدى ورحمة لعباده.
المهـيمن
قال تعالى:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23}
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
وهو من حيث هو الملك لابد من أن يراقب تحقق قوانينه وسننه وسريانها وخضوع كل الكائنات لها، كذلك ثمة أوامر تشريعية اقتضاها تكليفه لبعض كائناته التي خلقها مختارة ذات إرادة، فهو يراقب التزام تلك الكائنات بأوامره الشرعية تلك، لكل ذلك كان هو المهيمن فهو الرقيب على كل شيء وله السيطرة والتحكم فهو يدبِّر أمر الكون من أقصاه إلى أقصاه، وأوامره ليست بحاجة إلى وسط زماني مكاني لتسري فيه، فكل الأزمنة والأمكنة لديه سواء، ولذا تصل أوامره إلى أقصى بقاع الكون دون زمن يذكر، فكل العوالم ماثلة عنده، فهو القريب منها الرقيب عليها وعلى كل ما فيها، وهيمنته تعني أيضاً أنه الرقيب المسيطر الحفيظ المطَّلع القائم على كل نفس بما كسبت.
فله سبحانه المعية الذاتية المطلقة؛ فهو بذلك الحاضر المطلق مع كل شيء، فالكلم الطيب لا يصعد إليه في المكان المعلوم، وكذلك الملائكة لا تعرج إليه في هذا الإطار الزمكاني المعلوم، ولكنه عروج في عالم الحقائق والهويات والأغلفة والماهيات، إنه عروج في عالم أسمى وأرقي وليس للإنسان أن يحيط به علما.
ومن حيث هذا الاسم كان لكتابه الخاتم التام الهيمنة على كل ما هو دونه من الكتب، والهيمنة تعني التقدم والإحاطة وأن فيه الموازين ومعايير الحقانية.
الفتـــاح
خَيْرُ الْفَاتِحِينَ
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}الأعراف89
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 * {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ }سبأ26 * {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }فاطر2 * {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }الفتح1 * {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ }القمر11
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
يشير إلى السمة التي تقتضى تكشف الأمر وتفتحه، لذلك فالقاضي هو فاتح أو فتاح لأنه يستخرج الحكم الصائب من المغاليق والمعميات المعروضة أمامه، فالفتاح يخرج الأمر من بطون إلى ظهور ومن استتار إلى سفور ومن الظلمات إلي النور، فصلح الحديبية كان فتحا من حيث أنه كان الانطلاقة العظمى للإسلام والتي أدت إلى تحرره من الحصار وانتشاره في كافة الأرجاء مما مهد السبيل للانتصار النهائي على الكافرين والمشركين.
فالله هو الفتاح لأنه يفتح ما كان مغلقا من الأمور بمقتضى القوانين والسنن فتتكشف للناس العلوم أو يهتدون إلى مصادر جديدة للرزق أو سبل جديدة للتقدم، وهو الفتاح لأن بيده وحده مقاليد السماوات والأرض ولأن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو.
ومن حيث الرمز فالفاء بذاتها تدل علي فتح وفرج وأيضاً إلي كل ما يؤدي إلي ذلك، واتصالها بالتاء ثم بالحاء يدل علي أن ذلك يترتب عليه خير عظيم وكثير ومؤثر وهو في الوقت ذاته محيط وشامل.
القريــب
الأَقْرَبُ
قال تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186 * {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16 * {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ }الواقعة85
فهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هذا الاسم يشير إلى سمة ذاتية لله سبحانه، فهو القريب المطلق الذي له الإحاطة بكل ما خلق من كافة جوانبه، فكل كيانات الإنسان وما ترتب عليها وكل آثار أعماله وأذواقه وأفعاله وأقواله وعلومه مهما خفي كل ذلك ومهما غاب في أعماق باطنه ومهما خفي عن الإنسان نفسه هو ماثل عند ربه، فليس ثمة مسافات أو فترات زمانية مكانية تفصله عن خلقه، لأن ذلك الإطار الزماني المكاني من خلقه وابداعه وله عليه الحكم والأمر، وإذا كبر على الإنسان إدراك ذلك فليعلم أن لطائفه الذاتية العالية لا توصف بأنها في نفس الزمكان الذي يحل فيه جسده وإنما هي مقيدة بتدبيره مشغولة به عن غيره وملزمة باستخدامه كجهاز لازم لها للتفاعل مع العالم المادي وإلا فإن لتلك اللطائف السريان في كل العالم المادي للطافتها، وكثير من الموجات الكهرومغناطيسية تتخلل الإنسان بسهولة ويسر، فكلها لا يشكل جسم الإنسان عائقا بالنسبة إليها، هذا مع العلم بأن ما ذكر يتحرك بسرعة محدودة هي سرعة الضوء بل لا يستطيع أن يسير إلا بها، أما الحق سبحانه فهو الغنى عن تلك الحركة لإحاطته الذاتية بكل شيء، وهو الذي أعطى الإطار الزمكاني حقيقته وكنهه، وهو الذي ربط المكان بالأجسام والزمان بحركتها في عالم الظاهر والخلق كما ربط المكان بالكيانات والزمان بتغيرها في عالم الباطن والغيب والأمر، وفى عالم الخلق كلما كان الجسم لطيفا كلما ازداد تحرره من القيود المكانية وأصبح هذا المفهوم أقل حدة وتميزا بالنسبة إليه، أما من هو فوق كل ذلك وهو مبدع ومقدِّر كل ذلك فإنه المحيط بالزمان والمكان فلا تسرى أحكامهما عليه ولا يتقيد بهما، أما من قالوا إنه يمكن أن يحل في إنسان لأنه قدير على كل شيء وبالتالي قيدوه بمقتضيات هذا الإنسان فقد جهلوا قدره وكان عليهم أن يعلموا أن مجال قدرته هو الأشياء أي ما ينتج عن ممارسته فعل المشيئة والتي هي جماع مقتضيات منظومة الأسماء الحسنى، والأشياء هي الكائنات والكيانات والماهيات والسنن والتدبيرات والتفصيلات والمخلوقات وليست هي ذاته، وهو سبحانه لا يناقض نفسه ولا يناقض ما له من كمال ذاتي مطلق وهو السلام الذي تعمل كل أسمائه باتساق تام، فكل سماته متسقة متوافقة غير متضادة لأنها لوازم حقيقة ذاتية واحدة، وعندما أمر رسوله أن يسألهم عن أي شيء أكبر شهادة لم يصف نفسه بالشيئية الاصطلاحية التي قال فيها إنه قدير علي كل ما يمكن أن تطلق عليه، وإنما الأمر مثل قوله سبحانه: { قل لا تسألون عما أجرمنا}، فالقول هو من مقتضيات الخطاب والجدل مع الكافرين المنكرين.
ومن حيث هذا الاسم فهو الذي له القرب الحقيقي المطلق من كل شيء، فهو أقرب إلى كل شيء من كل شيء بل من نفس الشيء، ذلك لأنه لا قيام لشيء إلا به ولا وجود له إلا به، بل إن حقيقة كل شيء ليست إلا معلومة من معلوماته وكلمة من كلماته، لا يمسكها إلا علمه وسائر أسمائه، ولو فرض المستحيل وسهي عن هذا الشيء لصار محض العدم لتوه ولتلاشى من الوجود بكافة صوره.
ومن لوازم هذا الاسم وتجلياته أنه مع كل شيء بذاته وبأسمائه وسماته، ولا يعني هذا أبداً أنه حال في مكان أو أنه يملأ المكان أو أنه كما يقولون في كل مكان، بل هو فوق كل ذلك والمحيط بكل ذلك، وإنما وجد مكان هذا العالم معه، ولكن لا قبل للإنسان بإدراك ذلك إلا بإدراك كنه الذات وهو أمر ممتنع تماما.
وينبغي على الإنسان أن يستشعر القرب الإلهي فيوطن نفسه على الإحساس الصادق الدائم بهذا الحضور وأن يواظب على الحديث إلى الله تعالى كأنه يراه، وخير ما يخاطبه به هو ما أثنى به الله على نفسه في القرآن، كذلك عليه أن يقرأ القرآن كأنه يتنزل عليه، فتوطين النفس على الإحساس بالقرب الإلهي هو خير سبيل للتحقق بذكر الله تعالى والتقوى، وهو خير سبيل لكي يجعل الإنسان من كل أعماله بل ومن حركاته وسكناته عبادات تقربه إلى ربه زلفى.
فقربه من الأشياء من لوازم أنه مع كل شيء بهويته التي هي عين ذاته وهذا يعني أحاطته التامة بكل شيء من كل حيثية دون أن يتقيد بزمان أو مكان أو كيفية, وهذا هو القرب العام الذي تنعم به كل المخلوقات والتي هي به في سعادة مهما كانت الحالة التي هم عليها .
وثمة قرب خاص بالسائر علي درب الكمال كالإنسان, فهذا الإنسان يقترب من ربه بقدر ما يكتسب ويتحقق بالكمالات.
ولقد قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الحديد: 4)، فتلك الآية تشير إلي قربه المطلق من حيث الهوية من العباد، فهو سبحانه القريب قرباً ذاتياً من كل ما خلق، ولا يعنى ذلك أنه يمكن أن يحل في مكان أو أنه موجود فى كل مكان، فهو أجلُّ من كل ذلك، إذا لا وجود للمكان إلا معلَّـقا بالماديات الكثيفة التي خلقها الله تعالى، أما هو سبحانه فله الإحاطة الذاتية بالكل، وهى إحاطة أعلى من مستوى أي إدراك بشرى أو ملائكي، ولا أمل لأحد في إدراكها على ما هى عليه، وكل من أحس بها فحاول التعبير عنها بما هو مألوف لديه من الألفاظ والمفاهيم وقع فى القول بوحدة الوجود أو بالحلول وما إلى ذلك من ضلالات، أما من حاول القول بأن ذلك القرب إنما هو بالعلم فقد هرب من خطأ ليقع في خطأ آخر، فإن سماته من لوازم ماهيته وذاته، كما أن كون كائن ما يعلم عن آخر شيئا فهذا لا يعنى بالضرورة أنه قريب منه كما هو معلوم بكل وضوح الآن، ولقد قال تعالى أنه أقرب إلى عبده من أمور مادية كحبل الوريد والناس الآخرين، ولكن حواس الإنسان لا سبيل لها إلى إدراك الإله الأقدس، فدلَّ ذلك على أن له ذاتاً حقيقة، ويجب العلم بأنه عندما يتكلم سبحانه بضمير الجمع فإنما يتكلم من حيث منظومة أسمائه الحسنى وكذلك آلاته وأدواته من الملائكة الموكلين بأمر الإنسان، فذلك القرب قرب ذاتي حقيقي وإن كان فوق كل إدراك وتصور، فالبصر إنما يتعلق أصلاً بذواتٍ حقيقية وبما يصدر عنها من أفعال، ومن المعلوم أن القرب المعهود قد يكون قرباً مكانيا أو زمانيا، وقد يكون قرب معنى وقد يكون قرب مبنى، أما القرب الذي يشير إليه الاسم فهو قرب آخر غير مألوفٍ ولا معهود، وما نفى عنه هذا القرب الذاتي إلا من قيَّـده بمفهوم القرب المادي، فما نفي عنه إلا ما توهمه في نفسه، وما دفعه إلى ذلك إلا قصوره عن إدراك قدسية ربه، أما هو سبحانه فهو فوق ما يتصوَّرون وله الإحاطة بكل ما يتخيلون فسبحان ربك رب العزة عما يصفون.
وتشير الآية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)} (البقرة)، إلى قرب خاص وإلى الوسيلة إليه، فهذا القرب لا سبيل إليه إلا بالتحقق بالعبودية الخالصة وبها يكتسب الإنسان الكمالات التى تؤهله للتحقق بالقرب الخاص منه سبحانه، فالعبودية تقتضى الإيمان بالله تعالى وتعاليمه والاستجابة له بمعني أن يأخذ الإنسان أوامره وتعاليمه بالجدية اللازمة والإجلال الواجب، ويقابلها بالاستجابة الملائمة من الأدب اللازم والطاعة بقدر الاستطاعة.
ويجب إدراك أن تعاليه المطلق وبعده المطلق هو عين قربه من عباده، ذلك لأنه مهما تغير ما هم فيه وما هم عليه فلن تتغير إحداثياتهم بالنسبة إليه، فهو من حيث الذات البعيد المطلق والقريب المطلق، أما قربهم منه فبتحققهم بصفات الكمال التي أثنى عليها وأعلن أنه يحبها.
------------
القريب المجيب
قال تعالى:
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }هود61
فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هذا الاسم يشير إلى حضوره بهويته مع العباد والمشار إليه بالآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)} ( الحديد )، وكذلك إجابته لأولئك العباد بمعني اعتـنائه بأمرهم وترتيبه النتائج الملائمة لأفعالهم، ومحل كل ذلك هو العباد أنفسهم؛ بينما هو المتعالي عليهم، فتلك المعية المذكورة في الآية هي من حيث الهوية، وهويته هي عين ذاته التي لها الوجود المحض والكمال المطلق والحسن الذاتي المطلق، وهما هنالك أمر واحد، فالآية تشير إلى المعية الذاتية المطلقة، فهو مع كل الكائنات من حيث تلك المعية، فلا مكان أقرب إليه من مكان، ولا زمان أولى به من زمان، ولم تختص لحظة ما بأن أوجد فيها كل شيء أو كتب فيها كل شيء، وإنما هو يفعل ذلك أزلا وأبدا، كذلك لا مخلوق أقرب إليه من مخلوق من حيث الزمان والمكان، وإنما مناط القرب منه هو التحقق بالكمال، ولقد اجتهد كثيرون لإدراك تلك المعية وكلهم أخطئوا، فمن قائل بأن معيته تعنى أنه عين وجود الأشياء، أو أنه باطن كل ظاهر أو أنه للكون كروح الإنسان للإنسان، وكل تلك الاعتقادات مترتبة على عقيدة وحدة الوجود الباطلة، ومن قائل بأنه مع الكائنات بعلمه؛ فمعنى أنه مع الأشياء أنه يعلم الأشياء، فساوى بذلك بين القول {وهو معكم أينما كنتم} والقول {وهو بكل شئ عليم}، فجعلهما مترادفين، وهذا أيضا زعم باطل، فإن سماته سبحانه لا تنفك عن ذاته، بل هي لوازم هويته المشار إليها في الآية، فالمعية لا تكون بسمة العلم فقط بل بسائر السمات ومنها البصر المشار إليه فى الآية نفسها، والحق هو أن تلك المعية هي فوق كل إدراك بشرى، ولا تعنى أبدا أنه مادة نورانية تملأ الأكوان أو أنه موجود في كل مكان، بل هو محيط بالأكوان من كل حيثية، ولكنه لا يطالب في ذلك بالكيفية، وليس لدى الإنسان ابتداءً الأذواق أو الألفاظ أو المفاهيم التي تمكنه من إدراك تلك المعية، ذلك لأن إدراكها يتطلب إدراك كنه الذات وذلك أمر فوق إدراك الملائكة المقربين فضلا عن الإنسان، وكل ما يعنى الإنسان من أمر تلك المعية أن يعلم أنه في كل أحواله ومهما ولَّى أو تولَّى أو شرَّق أو غرَّب أو أطاع أو عصى أو استيقظ أو نام فهو ماثل في الحضرة الإلهية التي لا يخفى عليها شيء في الأرض ولا في السماء، فباطن الإنسان المادي كظاهره المادي وكذلك باطنه اللطيف وظاهره الكثيف كل ذلك سواء لديه ماثلون بين يديه، كذلك كل ما يجول في نفس الإنسان من أفكار وما يجيش في قلبه من مشاعر وأحاسيس، فكل ذلك عند الله تعالى من حيث المعية المشار إليها، ولمَّا كان إدراك كنه الذات فوق كل ما لدي لإنسان من قويً وإمكانات فإنه سبحانه تعرَّف إلى عباده بما يألفون وما يدركون، فكل سمات الكمال الظاهرة في الكون إنما تشير إلى ما لديه من كمالات وتفصِّل ما هو له من السمات، فكل كمال إنساني يستـند ويشير إلى كمال إلهي.
وثمة قرب خاص يستند إلى المعية الإلهية الخاصة المشار إليها فى الآيات : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153)} (البقرة)، {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ( 35 )} ( محمد)، {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(19)} (الأنفال)، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)} (الأنفال)، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123)}، (التوبة)، {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}(التوبة:40)، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(128)} (النحل)، فتلك المعية تعنى نصره وتأييده لطوائف من خاصة عباده المتقين والمحسنين والصابرين من المؤمنين، كذلك تعنى توليه أمورهم وقيامه بالدفاع عنهم، فكلما مارس الإنسان مقتضيات الإسلام من عبادات فإنه يتحقق بقرب خاص هو مزيد من الكمالات التي تولِّد لديه مزيداً من الاستعدادات ليتلقى مزيداً من المدد والإفاضات فتزداد قدراته وإمكاناته، فيدرك الأشياء من حيث وجوده اللطيف لا من حيث قالبه الكثيف، ثم يترقَّى إلى أن يدرك الأشياء على ما هي عليه دون حاجة إلى صور خيالية تقرب إليه الأمر.
فذلك الاسم يشير إلى اعتنائه بأمر عباده، فهو معهم يسمع نداءهم ويجيب دعاءهم ويتجاوب معهم، وهذا لا يقـتضى بالضرورة تحقيق عين ما طلبوه، فإن ذلك أمر موكول إلى المنظومة الكاملة من الأسماء أي إلى مقتضياتها من القوانين والسنن، إذ أن الإنسان لا يطلب إلا ما يوافق هواه، وربما تعارض هواه هذا مع أمر أشد أهمية وأعظم جدوى وأصلح له ولغيره، {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَـوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (المؤمنون: 71)، ولكن هذا الاسم يتولى الإنسان الذي يلوذ به، فيتعلم منه آداب العبودية ومقابلة كل تجلًّ إلهي بالأدب اللازم، وتعود على العبد من حيث هذا الاسم آثار أعماله، ويتلقى الاستجابة الإلهية الملائمة لعبادته، وتكون في صورة تحققه بالرشاد فلا يضل ويكون على بيِّـنة من أمره.
وهذا الاسم من الأسماء التي تقتضي أن يستغفر الإنسان ربه، وهو من الأسماء التي ينبغي أن يتعلق بها كل من أسرف علي نفسه.
المجيـب
قال تعالى:
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }هود61
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
هذا الاسم يشير إلى اعتنائه بأمر عباده، فهو معهم يسمع نداءهم ويجيب دعاءهم ويتجاوب معهم، وهذا لا يقـتضى بالضرورة تحقيق عين ما طلبوه فإن ذلك أمر موكول إلى المنظومة الكاملة من الأسماء أي إلى مقتضياتها من القوانين والسنن، ذلك لأن الإنسان لا يطلب إلا ما يوافق هواه، وربما تعارض هواه هذا مع أمر أشد أهمية وأعظم جدوى وأصلح له ولغيره، ولكن هذا الاسم يتولى الإنسان الذي يلوذ به، فيتعلم منه آداب العبودية ومقابلة كل تجلٍّ إلهي بالأدب اللازم، وتعود على العبد من حيث هذا الاسم آثار أعماله، ويتلقى الاستجابة الإلهية الملائمة لعبادته، وتكون في صورة تحققه بالرشاد فلا يضل ويكون على بيِّـنة من أمره.
وهذا الاسم من أسماء النسق الثاني وهو من تفاصيل الاسم السميع والمثنى السميع العليم والمثنى القريب المجيب.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13- نظرات عامة جديدة، 2007.
14- نظرات في التاريخ، 2008.
المـلك الحــق، الملــك، الســلام، المـؤمن، المهـيمن، الفتـــاح
القريــب، القريب المجيب، المجيـب.
المـلك الحــق
قال تعالى:
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }المؤمنون116
فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
الملك الحق هو رب العرش الكريم، أي أن له المرتبة العليا من مراتب هذا العالم، وتلك المرتبة مفصلة بمراكز السيطرة والتحكم والقيادة من كل كائن من الكائنات والكيانات ولكنه سبحانه لا يستعمل كائنا أو كيانا إلا وفق طبيعته الذاتية وحقيقته الأصلية؛ فإذا كان هذا الكائن مكلفا مختارا فإنه يستعمله كذلك فهو لا يحمله على خلاف حقيقته أو استعداده وإن كان الكائن المختار يتميز أيضا باستعداد مكتسب وبأن صورته الجوهرية قابلة للتغير طبقا لآثار أعماله.
أما كل مالك ممن هم من دونه فليس بمالك في الحقيقة وإنما هو مستخلف في بعض الأمور والأشياء على سبيل الاختبار والابتلاء، فإن أحسن القيام بأمر ما استخلف فيه فقد فاز ونجا وإن أساء فقد ضل مسعاه وهوي، ولأنه سبحانه الملك الحق فله العلو المطلق وله الألوهية التي انفرد بها وهو رب العرش الكريم.
وهو من حيث هذا المثني يلقي الوحي علي من يشاء من عباده ويراقب عملية تلقيه ويرشد المتلقي إلي الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذا الأمر.
فالإنسان مثلاً لا يملك مع ربه شيئاً، بل لا يملك نفسه أو قلبه، ولكن الله سبحانه تفضل وجعله مستخلفاً في بعض الأمور ومنها ما ينسبه إليه الناس من المال، قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }الحديد7، ومن عظيم كرمه ومنه على عباده أن ينزل نفسه منزلة من يستقرضهم مع أنه مالكهم ومالك كل شيء، هذا بالإضافة إلى أنه لا يطلب القرض لنفسه وإنما لإخوانهم الفقراء والمساكين ولأعمال البر التي سينتفعون هم وليس هو بها، ومع كل ذلك فقد وعدهم بمضاعفة ثواب ما ينفقونه، قال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245، {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }الحديد11، {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }التغابن17، َاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المزمل20.
وهذا الاسم يقتضي من الإنسان القيام بركن الإنفاق في سبيل الله وأن يعلم أن نفسه وكل ما يملك هو بالأصالة ملك لله، فعليه أن يعمل بمقتضى ذلك.
الملــك
المالك
قال تعالى:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ-مَلِكِ النَّاسِ }الناس1-2 * {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }الفاتحة4 * {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
فهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هو الذي له الملك المطلق فكل ما أبدعه أو خلقه أو اقتضاه هو ملك ذاتي له لم يستخلفه أحد فيه، فهو مبدع وخالق كل ما هو في مملكته وهو الذي خلق المواد اللازمة لتحقيقهم وإظهارهم، وهو خالق المواد اللازمة لبقائهم، كما أن له تمام الغلبة والقهر على كل ما هو في مملكته، ومحل الظهور الأتم لهذا الملك إنما هو في يوم الدين حيث أن كنهه الذاتي ومنظومة أسمائه قد اقتضت أن يحتجب عن مخلوقاته في تلك الدار وفيما وراء تلك الدار، وأن يجعل النتائج فيها منوطة بأسبابها الظاهرة، وأن يستخلف فيها ما خلقه من الكائنات ابتلاءاً للجميع.
فالملـك هو الذي له كل شيء فهو يملك كل ما هو من دونه امتلاكا ذاتيا مطلقا لأنه أوجدهم وخلقهم وكل منهم مسبوق بالعدم لنفسه لا محالة فلا يساوقه مخلوق في مراتبه الذاتية الواجبة، أما مخلوقاته فلا تملك حتى نفسها امتلاكا ذاتيا وإنما هي مستخلفة في الأشياء.
وهو الحاكم المتصرف في مملكته والمقتدر عليها والمتمكن منها فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو الذي يؤتى الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء بمقتضى قوانينه وسننه، وهو يتصرف أيضا في الكيانات المعنوية الأمرية فيهب العزة لمن يشاء ولا يتم الأمر اعتباطا لأن مشيئته هي جماع قوانينه وسننه فهي تنسب إليه كما يليق به، فلم يتول أحد الملك خبط عشواء ولم يعتز أحد بالصدفة المحض وإنما يتم ذلك وفق قوانين وسنن وإن جهلها الناس.
ولما كان يوم الدين هو يوم القضاء والفصل بين الناس والحكم العام على كل إنسان كان سبحانه هو مالك يوم الدين وديان العباد والحاكم عليهم هنالك، فذلك اليوم هو اليوم الذي يتجلى فيه اسمه هذا بحيث لا يسع أحد إنكاره.
وهو أيضا الملك المطلق الحريص على سلامة مملكته والذي يحكمهم بمقتضى قوانينه وسننه وهم رعيته الذين يتصرف فيهم ويحكم عليهم ويفصل فيما بينهم ويدبر أمورهم ويثيب المحسن ويعاقب المسيء منهم ويأمر وينهي ويعطى ويمنع ويعز ويذل، ولكنه يفعل كل ذلك بمقتضى قوانينه وسننه التي هي مقتضيات حسنه وكماله المطلق.
ومن لوازم ومقتضيات هذا الاسم أن عنده كل الخزائن؛ وأسمى خزائنه هي كمالاته المحكمة والمفصلة فهي التي اقتضت الأشياء، ولما تحققت الكائنات أخذ يمدها من خزائنه أي مما هو لديه من الكمالات، وخزائنه لا تنفد لأن المعاني والكيانات الأمرية تعطى دون أن تفقد، فمن أعطى الآخر علما فما فقده وإنما زكاه ونماه، والحق سبحانه أولى بذلك وإن كان علمه من حيث كماله اللانهائي المطلق لا يتغير وإنما المعلومات التفصيلية هي التي تزداد ومهما تزايد مجال العلم واتسع فإن السمة الإلهية العلمية ستظل محيطة به لاتساعها اللانهائي المطلق.
والأشياء التي اقتضتها مشيئته هي أيضا من خزائنه وما ظهر بها من كائنات هي أيضا كذلك، فلا بد من ودائع لدى كل كائن لبعض الكائنات الأخرى هي بالأصالة ملك لله تعالى وإنما هو الذي استخلفه فيها وائتمنـه عليها.
وكرمز فإن الميم إشارة إلي مقتضيات ومجالات ومحال عمل أسمائه واللام إشارة إلي صلته بكل ذلك وهي صلة هيمنة وحفظ ورقابة وسيطرة، والكاف إشارة إلي صلة الارتباط بين مفردات كل ما ذكر من الكائنات والكيانات وبينه سبحانه، ودورانها في فلكه وتسبيحها بحمده وخضوعها له فعبوديتها له هي أصل كل صلة به.
الســلام
قال تعالى:
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }الجمعة1
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23}
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
إن ذاته هي كيان أحدى صمدي لا تركب فيه ولا تجزؤ ولا تفاوت، لذلك فهو السلام لأن له السلامة التامة، ذلك لأن منشأ ما يخالف السلام هو التركب والنقص والتفاوت ووجود الند أو الكفء ولا وجود لشيء من ذلك أبدا بالنسبة إليه، كذلك ليس ثمة تقابل أو تضاد في منظومات أسمائه، فكل منظومة منها تتضمن أسماء متسقة اتساقاً تاماً لأنها لوازم نفس الكيان الأحدي الصمدي، فاستعمال المصدر لغويا كعلم عليه هو صيغة مبالغة من السمة التي هي له، وهو سبحانه أيضا مصدر السلام بمعنى السلامة فكل سلامة حظي بها إنسان أو كيان فهي منه ولا استناد لها في الوجود إلا إليه، وهو مصدر السلام بمعنى عدم الصراع أو الشقاق أو التناحر أي هو مصدر السلام الداخلي في كل كيان.
لكل ذلك فهو يضمن السلام لنظام مملكته لأنها كانت من مقتضيات قوانينه وسننه، وهي لا يمكن أن تتناقض كما سبق القول، ولما كان الأمر كذلك فإن به يتحقق السلام التام لجميع الأنام.
وكونه السلام مرببط بكونه القدوس، فالقدوس هو المنزه تنزيهاً تاماً عن كل ما يمكن أن يخطر ببال مخلوق من التصورات، وهو أصل كل طهر ونقاء وبراءة، وهو كيان صمدي واحد لا تركيب فيه فهو السلام المطلق.
وحرف السين يشير إلي السلام والسهولة واليسر واتصاله بما بعده يشير إلي سريان كل ذلك بيسر منه إلي محالِّه ومجالاته.
المـؤمن
قال تعالى:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23}
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
لما كان هو سبحانه مصدر السلام بين الكيانات المختلفة فهو أيضا مصدر الأمن والسكينة والطمأنينة فهو بذلك المؤمن كذلك كان منه الأمن ومنه الأمان، فإن قوانينه وسننه وكلماته لا تبديل لها ولا تحويل، فيمكن الركون إليها والثقة بها والاطمئنان إليها، وهو كذلك يضمن الأمن لمن آمن به ولم يلبس إيمانه بظلم فلم يشرك به شيئا.
وهذا الاسم من أسماء منظومة الرحمة والهدي وهو الذي يتولى أمر من توافق معه بالنصر والتأييد فينجذبون بواسطته إلي من له هذا الاسم، وهذا يلزم كل من أراد أن يتقرب منه أن يتعلق بسبب من أسبابه، وخير ما يمكنه أن يتعلق به هو كتابه الذي جعله هدى ورحمة لعباده.
المهـيمن
قال تعالى:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23}
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
وهو من حيث هو الملك لابد من أن يراقب تحقق قوانينه وسننه وسريانها وخضوع كل الكائنات لها، كذلك ثمة أوامر تشريعية اقتضاها تكليفه لبعض كائناته التي خلقها مختارة ذات إرادة، فهو يراقب التزام تلك الكائنات بأوامره الشرعية تلك، لكل ذلك كان هو المهيمن فهو الرقيب على كل شيء وله السيطرة والتحكم فهو يدبِّر أمر الكون من أقصاه إلى أقصاه، وأوامره ليست بحاجة إلى وسط زماني مكاني لتسري فيه، فكل الأزمنة والأمكنة لديه سواء، ولذا تصل أوامره إلى أقصى بقاع الكون دون زمن يذكر، فكل العوالم ماثلة عنده، فهو القريب منها الرقيب عليها وعلى كل ما فيها، وهيمنته تعني أيضاً أنه الرقيب المسيطر الحفيظ المطَّلع القائم على كل نفس بما كسبت.
فله سبحانه المعية الذاتية المطلقة؛ فهو بذلك الحاضر المطلق مع كل شيء، فالكلم الطيب لا يصعد إليه في المكان المعلوم، وكذلك الملائكة لا تعرج إليه في هذا الإطار الزمكاني المعلوم، ولكنه عروج في عالم الحقائق والهويات والأغلفة والماهيات، إنه عروج في عالم أسمى وأرقي وليس للإنسان أن يحيط به علما.
ومن حيث هذا الاسم كان لكتابه الخاتم التام الهيمنة على كل ما هو دونه من الكتب، والهيمنة تعني التقدم والإحاطة وأن فيه الموازين ومعايير الحقانية.
الفتـــاح
خَيْرُ الْفَاتِحِينَ
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}الأعراف89
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 * {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ }سبأ26 * {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }فاطر2 * {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }الفتح1 * {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ }القمر11
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
يشير إلى السمة التي تقتضى تكشف الأمر وتفتحه، لذلك فالقاضي هو فاتح أو فتاح لأنه يستخرج الحكم الصائب من المغاليق والمعميات المعروضة أمامه، فالفتاح يخرج الأمر من بطون إلى ظهور ومن استتار إلى سفور ومن الظلمات إلي النور، فصلح الحديبية كان فتحا من حيث أنه كان الانطلاقة العظمى للإسلام والتي أدت إلى تحرره من الحصار وانتشاره في كافة الأرجاء مما مهد السبيل للانتصار النهائي على الكافرين والمشركين.
فالله هو الفتاح لأنه يفتح ما كان مغلقا من الأمور بمقتضى القوانين والسنن فتتكشف للناس العلوم أو يهتدون إلى مصادر جديدة للرزق أو سبل جديدة للتقدم، وهو الفتاح لأن بيده وحده مقاليد السماوات والأرض ولأن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو.
ومن حيث الرمز فالفاء بذاتها تدل علي فتح وفرج وأيضاً إلي كل ما يؤدي إلي ذلك، واتصالها بالتاء ثم بالحاء يدل علي أن ذلك يترتب عليه خير عظيم وكثير ومؤثر وهو في الوقت ذاته محيط وشامل.
القريــب
الأَقْرَبُ
قال تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186 * {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16 * {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ }الواقعة85
فهذا الاسم هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هذا الاسم يشير إلى سمة ذاتية لله سبحانه، فهو القريب المطلق الذي له الإحاطة بكل ما خلق من كافة جوانبه، فكل كيانات الإنسان وما ترتب عليها وكل آثار أعماله وأذواقه وأفعاله وأقواله وعلومه مهما خفي كل ذلك ومهما غاب في أعماق باطنه ومهما خفي عن الإنسان نفسه هو ماثل عند ربه، فليس ثمة مسافات أو فترات زمانية مكانية تفصله عن خلقه، لأن ذلك الإطار الزماني المكاني من خلقه وابداعه وله عليه الحكم والأمر، وإذا كبر على الإنسان إدراك ذلك فليعلم أن لطائفه الذاتية العالية لا توصف بأنها في نفس الزمكان الذي يحل فيه جسده وإنما هي مقيدة بتدبيره مشغولة به عن غيره وملزمة باستخدامه كجهاز لازم لها للتفاعل مع العالم المادي وإلا فإن لتلك اللطائف السريان في كل العالم المادي للطافتها، وكثير من الموجات الكهرومغناطيسية تتخلل الإنسان بسهولة ويسر، فكلها لا يشكل جسم الإنسان عائقا بالنسبة إليها، هذا مع العلم بأن ما ذكر يتحرك بسرعة محدودة هي سرعة الضوء بل لا يستطيع أن يسير إلا بها، أما الحق سبحانه فهو الغنى عن تلك الحركة لإحاطته الذاتية بكل شيء، وهو الذي أعطى الإطار الزمكاني حقيقته وكنهه، وهو الذي ربط المكان بالأجسام والزمان بحركتها في عالم الظاهر والخلق كما ربط المكان بالكيانات والزمان بتغيرها في عالم الباطن والغيب والأمر، وفى عالم الخلق كلما كان الجسم لطيفا كلما ازداد تحرره من القيود المكانية وأصبح هذا المفهوم أقل حدة وتميزا بالنسبة إليه، أما من هو فوق كل ذلك وهو مبدع ومقدِّر كل ذلك فإنه المحيط بالزمان والمكان فلا تسرى أحكامهما عليه ولا يتقيد بهما، أما من قالوا إنه يمكن أن يحل في إنسان لأنه قدير على كل شيء وبالتالي قيدوه بمقتضيات هذا الإنسان فقد جهلوا قدره وكان عليهم أن يعلموا أن مجال قدرته هو الأشياء أي ما ينتج عن ممارسته فعل المشيئة والتي هي جماع مقتضيات منظومة الأسماء الحسنى، والأشياء هي الكائنات والكيانات والماهيات والسنن والتدبيرات والتفصيلات والمخلوقات وليست هي ذاته، وهو سبحانه لا يناقض نفسه ولا يناقض ما له من كمال ذاتي مطلق وهو السلام الذي تعمل كل أسمائه باتساق تام، فكل سماته متسقة متوافقة غير متضادة لأنها لوازم حقيقة ذاتية واحدة، وعندما أمر رسوله أن يسألهم عن أي شيء أكبر شهادة لم يصف نفسه بالشيئية الاصطلاحية التي قال فيها إنه قدير علي كل ما يمكن أن تطلق عليه، وإنما الأمر مثل قوله سبحانه: { قل لا تسألون عما أجرمنا}، فالقول هو من مقتضيات الخطاب والجدل مع الكافرين المنكرين.
ومن حيث هذا الاسم فهو الذي له القرب الحقيقي المطلق من كل شيء، فهو أقرب إلى كل شيء من كل شيء بل من نفس الشيء، ذلك لأنه لا قيام لشيء إلا به ولا وجود له إلا به، بل إن حقيقة كل شيء ليست إلا معلومة من معلوماته وكلمة من كلماته، لا يمسكها إلا علمه وسائر أسمائه، ولو فرض المستحيل وسهي عن هذا الشيء لصار محض العدم لتوه ولتلاشى من الوجود بكافة صوره.
ومن لوازم هذا الاسم وتجلياته أنه مع كل شيء بذاته وبأسمائه وسماته، ولا يعني هذا أبداً أنه حال في مكان أو أنه يملأ المكان أو أنه كما يقولون في كل مكان، بل هو فوق كل ذلك والمحيط بكل ذلك، وإنما وجد مكان هذا العالم معه، ولكن لا قبل للإنسان بإدراك ذلك إلا بإدراك كنه الذات وهو أمر ممتنع تماما.
وينبغي على الإنسان أن يستشعر القرب الإلهي فيوطن نفسه على الإحساس الصادق الدائم بهذا الحضور وأن يواظب على الحديث إلى الله تعالى كأنه يراه، وخير ما يخاطبه به هو ما أثنى به الله على نفسه في القرآن، كذلك عليه أن يقرأ القرآن كأنه يتنزل عليه، فتوطين النفس على الإحساس بالقرب الإلهي هو خير سبيل للتحقق بذكر الله تعالى والتقوى، وهو خير سبيل لكي يجعل الإنسان من كل أعماله بل ومن حركاته وسكناته عبادات تقربه إلى ربه زلفى.
فقربه من الأشياء من لوازم أنه مع كل شيء بهويته التي هي عين ذاته وهذا يعني أحاطته التامة بكل شيء من كل حيثية دون أن يتقيد بزمان أو مكان أو كيفية, وهذا هو القرب العام الذي تنعم به كل المخلوقات والتي هي به في سعادة مهما كانت الحالة التي هم عليها .
وثمة قرب خاص بالسائر علي درب الكمال كالإنسان, فهذا الإنسان يقترب من ربه بقدر ما يكتسب ويتحقق بالكمالات.
ولقد قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الحديد: 4)، فتلك الآية تشير إلي قربه المطلق من حيث الهوية من العباد، فهو سبحانه القريب قرباً ذاتياً من كل ما خلق، ولا يعنى ذلك أنه يمكن أن يحل في مكان أو أنه موجود فى كل مكان، فهو أجلُّ من كل ذلك، إذا لا وجود للمكان إلا معلَّـقا بالماديات الكثيفة التي خلقها الله تعالى، أما هو سبحانه فله الإحاطة الذاتية بالكل، وهى إحاطة أعلى من مستوى أي إدراك بشرى أو ملائكي، ولا أمل لأحد في إدراكها على ما هى عليه، وكل من أحس بها فحاول التعبير عنها بما هو مألوف لديه من الألفاظ والمفاهيم وقع فى القول بوحدة الوجود أو بالحلول وما إلى ذلك من ضلالات، أما من حاول القول بأن ذلك القرب إنما هو بالعلم فقد هرب من خطأ ليقع في خطأ آخر، فإن سماته من لوازم ماهيته وذاته، كما أن كون كائن ما يعلم عن آخر شيئا فهذا لا يعنى بالضرورة أنه قريب منه كما هو معلوم بكل وضوح الآن، ولقد قال تعالى أنه أقرب إلى عبده من أمور مادية كحبل الوريد والناس الآخرين، ولكن حواس الإنسان لا سبيل لها إلى إدراك الإله الأقدس، فدلَّ ذلك على أن له ذاتاً حقيقة، ويجب العلم بأنه عندما يتكلم سبحانه بضمير الجمع فإنما يتكلم من حيث منظومة أسمائه الحسنى وكذلك آلاته وأدواته من الملائكة الموكلين بأمر الإنسان، فذلك القرب قرب ذاتي حقيقي وإن كان فوق كل إدراك وتصور، فالبصر إنما يتعلق أصلاً بذواتٍ حقيقية وبما يصدر عنها من أفعال، ومن المعلوم أن القرب المعهود قد يكون قرباً مكانيا أو زمانيا، وقد يكون قرب معنى وقد يكون قرب مبنى، أما القرب الذي يشير إليه الاسم فهو قرب آخر غير مألوفٍ ولا معهود، وما نفى عنه هذا القرب الذاتي إلا من قيَّـده بمفهوم القرب المادي، فما نفي عنه إلا ما توهمه في نفسه، وما دفعه إلى ذلك إلا قصوره عن إدراك قدسية ربه، أما هو سبحانه فهو فوق ما يتصوَّرون وله الإحاطة بكل ما يتخيلون فسبحان ربك رب العزة عما يصفون.
وتشير الآية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)} (البقرة)، إلى قرب خاص وإلى الوسيلة إليه، فهذا القرب لا سبيل إليه إلا بالتحقق بالعبودية الخالصة وبها يكتسب الإنسان الكمالات التى تؤهله للتحقق بالقرب الخاص منه سبحانه، فالعبودية تقتضى الإيمان بالله تعالى وتعاليمه والاستجابة له بمعني أن يأخذ الإنسان أوامره وتعاليمه بالجدية اللازمة والإجلال الواجب، ويقابلها بالاستجابة الملائمة من الأدب اللازم والطاعة بقدر الاستطاعة.
ويجب إدراك أن تعاليه المطلق وبعده المطلق هو عين قربه من عباده، ذلك لأنه مهما تغير ما هم فيه وما هم عليه فلن تتغير إحداثياتهم بالنسبة إليه، فهو من حيث الذات البعيد المطلق والقريب المطلق، أما قربهم منه فبتحققهم بصفات الكمال التي أثنى عليها وأعلن أنه يحبها.
------------
القريب المجيب
قال تعالى:
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }هود61
فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
هذا الاسم يشير إلى حضوره بهويته مع العباد والمشار إليه بالآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)} ( الحديد )، وكذلك إجابته لأولئك العباد بمعني اعتـنائه بأمرهم وترتيبه النتائج الملائمة لأفعالهم، ومحل كل ذلك هو العباد أنفسهم؛ بينما هو المتعالي عليهم، فتلك المعية المذكورة في الآية هي من حيث الهوية، وهويته هي عين ذاته التي لها الوجود المحض والكمال المطلق والحسن الذاتي المطلق، وهما هنالك أمر واحد، فالآية تشير إلى المعية الذاتية المطلقة، فهو مع كل الكائنات من حيث تلك المعية، فلا مكان أقرب إليه من مكان، ولا زمان أولى به من زمان، ولم تختص لحظة ما بأن أوجد فيها كل شيء أو كتب فيها كل شيء، وإنما هو يفعل ذلك أزلا وأبدا، كذلك لا مخلوق أقرب إليه من مخلوق من حيث الزمان والمكان، وإنما مناط القرب منه هو التحقق بالكمال، ولقد اجتهد كثيرون لإدراك تلك المعية وكلهم أخطئوا، فمن قائل بأن معيته تعنى أنه عين وجود الأشياء، أو أنه باطن كل ظاهر أو أنه للكون كروح الإنسان للإنسان، وكل تلك الاعتقادات مترتبة على عقيدة وحدة الوجود الباطلة، ومن قائل بأنه مع الكائنات بعلمه؛ فمعنى أنه مع الأشياء أنه يعلم الأشياء، فساوى بذلك بين القول {وهو معكم أينما كنتم} والقول {وهو بكل شئ عليم}، فجعلهما مترادفين، وهذا أيضا زعم باطل، فإن سماته سبحانه لا تنفك عن ذاته، بل هي لوازم هويته المشار إليها في الآية، فالمعية لا تكون بسمة العلم فقط بل بسائر السمات ومنها البصر المشار إليه فى الآية نفسها، والحق هو أن تلك المعية هي فوق كل إدراك بشرى، ولا تعنى أبدا أنه مادة نورانية تملأ الأكوان أو أنه موجود في كل مكان، بل هو محيط بالأكوان من كل حيثية، ولكنه لا يطالب في ذلك بالكيفية، وليس لدى الإنسان ابتداءً الأذواق أو الألفاظ أو المفاهيم التي تمكنه من إدراك تلك المعية، ذلك لأن إدراكها يتطلب إدراك كنه الذات وذلك أمر فوق إدراك الملائكة المقربين فضلا عن الإنسان، وكل ما يعنى الإنسان من أمر تلك المعية أن يعلم أنه في كل أحواله ومهما ولَّى أو تولَّى أو شرَّق أو غرَّب أو أطاع أو عصى أو استيقظ أو نام فهو ماثل في الحضرة الإلهية التي لا يخفى عليها شيء في الأرض ولا في السماء، فباطن الإنسان المادي كظاهره المادي وكذلك باطنه اللطيف وظاهره الكثيف كل ذلك سواء لديه ماثلون بين يديه، كذلك كل ما يجول في نفس الإنسان من أفكار وما يجيش في قلبه من مشاعر وأحاسيس، فكل ذلك عند الله تعالى من حيث المعية المشار إليها، ولمَّا كان إدراك كنه الذات فوق كل ما لدي لإنسان من قويً وإمكانات فإنه سبحانه تعرَّف إلى عباده بما يألفون وما يدركون، فكل سمات الكمال الظاهرة في الكون إنما تشير إلى ما لديه من كمالات وتفصِّل ما هو له من السمات، فكل كمال إنساني يستـند ويشير إلى كمال إلهي.
وثمة قرب خاص يستند إلى المعية الإلهية الخاصة المشار إليها فى الآيات : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153)} (البقرة)، {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ( 35 )} ( محمد)، {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(19)} (الأنفال)، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)} (الأنفال)، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123)}، (التوبة)، {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}(التوبة:40)، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(128)} (النحل)، فتلك المعية تعنى نصره وتأييده لطوائف من خاصة عباده المتقين والمحسنين والصابرين من المؤمنين، كذلك تعنى توليه أمورهم وقيامه بالدفاع عنهم، فكلما مارس الإنسان مقتضيات الإسلام من عبادات فإنه يتحقق بقرب خاص هو مزيد من الكمالات التي تولِّد لديه مزيداً من الاستعدادات ليتلقى مزيداً من المدد والإفاضات فتزداد قدراته وإمكاناته، فيدرك الأشياء من حيث وجوده اللطيف لا من حيث قالبه الكثيف، ثم يترقَّى إلى أن يدرك الأشياء على ما هي عليه دون حاجة إلى صور خيالية تقرب إليه الأمر.
فذلك الاسم يشير إلى اعتنائه بأمر عباده، فهو معهم يسمع نداءهم ويجيب دعاءهم ويتجاوب معهم، وهذا لا يقـتضى بالضرورة تحقيق عين ما طلبوه، فإن ذلك أمر موكول إلى المنظومة الكاملة من الأسماء أي إلى مقتضياتها من القوانين والسنن، إذ أن الإنسان لا يطلب إلا ما يوافق هواه، وربما تعارض هواه هذا مع أمر أشد أهمية وأعظم جدوى وأصلح له ولغيره، {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَـوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (المؤمنون: 71)، ولكن هذا الاسم يتولى الإنسان الذي يلوذ به، فيتعلم منه آداب العبودية ومقابلة كل تجلًّ إلهي بالأدب اللازم، وتعود على العبد من حيث هذا الاسم آثار أعماله، ويتلقى الاستجابة الإلهية الملائمة لعبادته، وتكون في صورة تحققه بالرشاد فلا يضل ويكون على بيِّـنة من أمره.
وهذا الاسم من الأسماء التي تقتضي أن يستغفر الإنسان ربه، وهو من الأسماء التي ينبغي أن يتعلق بها كل من أسرف علي نفسه.
المجيـب
قال تعالى:
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }هود61
فهذا الاسم من نسق أسماء الحسنى المفردة.
هذا الاسم يشير إلى اعتنائه بأمر عباده، فهو معهم يسمع نداءهم ويجيب دعاءهم ويتجاوب معهم، وهذا لا يقـتضى بالضرورة تحقيق عين ما طلبوه فإن ذلك أمر موكول إلى المنظومة الكاملة من الأسماء أي إلى مقتضياتها من القوانين والسنن، ذلك لأن الإنسان لا يطلب إلا ما يوافق هواه، وربما تعارض هواه هذا مع أمر أشد أهمية وأعظم جدوى وأصلح له ولغيره، ولكن هذا الاسم يتولى الإنسان الذي يلوذ به، فيتعلم منه آداب العبودية ومقابلة كل تجلٍّ إلهي بالأدب اللازم، وتعود على العبد من حيث هذا الاسم آثار أعماله، ويتلقى الاستجابة الإلهية الملائمة لعبادته، وتكون في صورة تحققه بالرشاد فلا يضل ويكون على بيِّـنة من أمره.
وهذا الاسم من أسماء النسق الثاني وهو من تفاصيل الاسم السميع والمثنى السميع العليم والمثنى القريب المجيب.
المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1- الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2- الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار، 2002.
3- الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار، 2003.
4- المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5- نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6- نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7- نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8- من هدي الآيات، 2006.
9- المقصد الديني الأول، 2006.
10- نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11- الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12- نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13- نظرات عامة جديدة، 2007.
14- نظرات في التاريخ، 2008.